في السابع من مايو/ أيار الذي وافق ليلة القدر من عام 2021، قصد أحمد أبو سنينة المسجد الأقصى ليسلم والدته المعتكفة فيه مبلغًا من المال، وقتها كانت المواجهات بين المرابطين وجنود الاحتلال محتدمة في باحات المسجد، في حين كانت المقاومة في غزة تخوض معركة "سيف القدس".
دخل أبو سنينة من باب الغوانمة، ووصل إلى مصطبة الكأس عن الساعة 10:30 ليلًا، أخذ يجول بناظريه باحثًا عن والدته، وإذ برصاصة تخترق عينه اليسرى، وما إن وضع يده على عينه وإذ بها تسقط في كفه.
همّ أبو سنينة في الركض يحاول الهرب من جنود الاحتلال الذين هاجموا المرابطين بشراسة، وما هي إلا خطوتان حتى وقع مغشيًا عليه في المكان نفسه.
اعتقد الجميع أن أحمد (32 عامًا) استشهد نظرًا لخطورة إصابته، حيث فقد عينه وأصيب بكسر وتهتك في الجمجمة والفكين، وذيع نبأ استشهاده على مآذن بلدة العيساوية شمال شرق المسجد الأقصى، فهو يسكن بالإيجار بعدما انتقل من حارة باب حطة حيث يقيم والداه هناك.
دخل أحمد في غيوبة لمدة 23 يومًا، لم يتوقع أحد أن ينجو من هذه الإصابة بالغة الخطورة، حينها حدث الطبيب عائلته عن خطورة حالته "ادعوا له بالنجاة، وإذا نجا لن يتذكر أحدا بسبب إزالة جزء من جمجمته".
يقول أحمد لـ"فلسطين": "بعد إفاقتي من الغيبوبة بيومين اعتقلني جنود الاحتلال من داخل مستشفى هداسا، وبعدما تحدثت مع محاميتي أفرجوا عني، ولكن بشرط الحبس المنزلي لمدة ثلاثة أيام، ورفضوا بقائي في المستشفى لاستكمال علاجي، وطلبوني للتحقيق".
ويضيف: "بعد ثلاثة أيام توجهت إلى مركز التحقيق ورأسي ملفوف بالضمادات الطبية، فأرغموني على الانتظار تحت أشعة الشمس لمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة، وهذا أمر خطير على جرحي الذي لم يندمل بعد".
ويتابع أحمد: "وجه لي المحقق تهمة المشاركة في المواجهات، وتوجيه لكمة لأحد الجنود، ورمي الحجارة، كل هذه التهم ولم يمضِ على دخولي للمسجد الأقصى سوى ثلاث دقائق، فكيف يمكنني القيام بكل ذلك في هذا الوقت؟".
عملية مؤجلة
منذ إصابته أجرى أحمد أربع عمليات خطيرة، آخرها كانت بسبب إصابته بجرثومة في الدم وصلت إلى الدماغ عن طريق عينه المكشوفة، وأمضى 11 يومًا على سرير المستشفى، وبعد كل هذه العلميات لا يزال يعاني آلاما حادة بسبب أسياخ البلاتين التي زرعت في فكه.
ويشير إلى تأجيل المشفى -دون إبداء الأسباب- عملية مقررة له من أجل تعديل أسياخ البلاتين، وهبوط جزء من الجمجمة، التي يتطلب إنجازها 16 ساعة متواصلة.
طيلة مدة مكوث أحمد في المستشفى كانت عائلته ترفض زيارة ابنتيه نتالي (5 سنوات) وليالي (4 سنوات) له، وبعد إفاقته من الغيوبة رفضن احتضانه خوفًا من مشهد الضمادات التي تلف رأسه وعينه.
ويذكر أن ابنتَيْه تأثرتا نفسيًا من إصابته، وطالت مدة تقبلهما له، حتى أن ابنته الكبرى تراجع مستواها الدراسي، ورفضت الذهاب إلى الروضة، فقد كانت تخشى من غيابه عن البيت مرة ثانية، ولا تنفكان عن سؤاله عن الوقت الذي سيفتح فيها عينه المصابة.
غير لائق للعمل
هذه الإصابة التي يعاني آثارها حتى اليوم قلبت حياته رأسًا على عقب، حيث فقد عمله في شركة التوصيل بسبب منعه من السياقة بعدما فقد عينه، كما أنه كلما طرق بابًا للعمل يرفضه المشغلون لأن شكله غير "لائق" أمام الزبائن.
ويلفت أحمد إلى أنه لم يَكل يومًا بحثًا عن عمل يعتاش منه ويوفر قوت يومه، ومصاريف إيجار مسكنه ومستلزماته الضريبية.
يذكر أن والديه وأخاه يدفعون عنه إيجار البيت الذي يقدر بـ2500 شيقل شهريًا، و1000 شيقل أخرى ما بين ضريبة أملاك "أرنونا" وفاتورتي الكهرباء والماء.
ولحظة إصابته تقدم أحمد للحصول على راتب جريح من السلطة الفلسطينية، حيث حصل في الستة أشهر الأولى على راتب بقيمة 1200 شيقل شهريًا ليغطي مصاريف علاجه، ومنذ ستة أشهر توقفت السلطة عن صرفه.
ويمضي إلى القول: "حينها طلبت منهم إخضاعي للجنة الصحية ولكنهم رفضوا، واشترطوا الإتيان بتقرير طبي من مستشفى هداسا، وترجمة التقرير من العبرية إلى العربية تكلفني 700 شيقل، ولا يمكنني دفع هذا المبلغ وأنا عاطل عن العمل".
ويطالب أحمد أبو سنينة السلطة بإعادة راتبه، أو توفير عمل يمكنه من توفير مصاريفه اليومية، مع توفير علاج مجاني يمكنه من تركيب عين تجميلية له، والتكفل بمصاريف العمليات المتبقية له.