فلسطين أون لاين

تقرير بطرق الأبواب الحديدية وصفّارات الإنذار.. مرابطون يصدون الاقتحامات

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ مريم الشوبكي:

تبدو الدقائق عصيبةً صبيحة اقتحام المستوطنين المسجدَ الأقصى. المسجد خاوٍ إلا من المرابطين الذين لم يطلهم الاعتقال أو الإبعاد، وأصوات الطرق على الأبواب الحديدية تصنع صخبًا مرعبًا. نداءاتٌ بالعبرية تتوالى تمس الإسلام ونبيه، ومقابل ذلك كله تصدح التكبيرات من داخل باحات الحرم، لتخبر المنتظرين عبثاً في الخارج أن "هناك من سيصدّكم ولو بصدره العاري". 

أم أيمن الصوص مثلاً، لا تبرح الأقصى طوال يومها، وتؤدي بداخله صلواتها الخمس، وتحضر الندوات العلمية والدينية، وتشارك دائماً في أي فعالية تدعم صمود المقدسيين. من يعرفها يعلم كيف تثور ثائرتها عند الإعلان عن اقتحامٍ مرتقبٍ للأقصى، وكيف تتأهب لتكون في مقدمة الصفوف للدفاع عن أرضٍ هي بالنسبة للمسلمين "أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين". آليات "الردع" لقطعان المستوطنين كما يرويها مرابطو الأقصى لـ"فلسطين"، ضمن هذا التقرير: 

طَرْق على الأبواب 

تقول الصوص: "قبل موعد الاقتحامات بأسبوعين، تبدأ قوات الاحتلال باعتقال كل من يوجد دائمًا في الأقصى، وتسلّم قرارات إبعاد لكثير منهم، ذلك لضمان عدم وجودهم داخله في ذلك الوقت". 

وتضيف: "وفي يوم الاقتحام يغلق الجنود كل أبواب الأقصى صباحًا، ويتمترسون على أعتابها، ويبدؤون في تفتيش الرجال والنساء، ويدققون في بطاقاتهم الشخصية، وفي العادة يمنعون الشباب من الدخول". 

وتؤكد الصوص أن الممنوعين، والمبعدين، رجالاً ونساءً، يرابطون على الأبواب، ويحاولون الذود عن الأقصى بكل الوسائل المتاحة، "ولو بالتكبير في وجه الصلوات التلمودية فقط". 

ودفعت الصوص ضريبة الرباط والدفاع عن الأقصى بالإبعاد، واقتحام بيتها أكثر من مرة، حتى وصل الأمر إلى اعتقالها. تتابع: "قُيدت ضدي 10 ملفات أمنية، وقد أُصبتُ بيدي في مسيرة الأعلام التي انطلقت في 28 من مايو الماضي، وأتلقى العلاج حتى اليوم". 

كل ذلك تراه الصوص "رخيصًا" مقابل إنقاذ ذرةٍ من تراب الأقصى، وهو ما يجمع عليه كل من يوجد في حرمه يوم الاقتحام، سواء من أهل القدس، أو الضفة الذين يصلون إليه غالباً عبر التهريب، وحتى من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948م. 

عن لحظات الاقتحام الأولى تقول: "يبدأ الرجال والنساء في الخارج بالتكبير منذ لحظة وصول المستوطنين إلى أعتاب المسجد الأقصى، يساندهم المرابطون بالداخل منذ ساعات الفجر، الذين ينتشرون في باحاته، بعضهم يصلي، وغيرهم يصلون ويطيلون في المسار من باب السلسلة حتى باب المغاربة". 

وتُبيّن الصوص أن الشباب قبل أيام من موعد الاقتحامات يتجمعون بأعداد كبيرة داخل المسجد القبلي، ويحرصون على التنكر، ويخلعون ستراتهم، ويصنعون منها غطاءً للوجه، لافتةً إلى أن بداية الردع تكون من عند المرابطات اللواتي يصدحن بالتكبير، حتى يسمعهن الشبان في المسجد القبلي فيعلموا أن الاقتحام بدأ. 

بدأت فكرة الطرق على الأبواب الحديدية في وجه المستوطنين المقتحمين للأقصى عام 2015م، عندما تجمعت نساء في البلدة القديمة، وفعلنها، وحينها بثثن الرعب في قلوبهم، ومنذ ذلك الوقت، يطرق الشبان الأبواب لإزعاج المستوطنين، وردعهم، وعدم تركهم يقتحمون المسجد بسلام. 

وتمضي الصوص بالقول: "بالتزامن مع الطرق، يعلو صوت التكبير عبر مآذن المسجد، ثم يشغل الشبان صفارات الإنذار، ويتركونها أمام مكبرات الصوت، وفي السنة الأخيرة ابتكروا أساليب جديدة في تشغيل خطاب مسجل للناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لـحركة "حماس" "أبو عبيدة" يتوعد فيها الاحتلال بالهزيمة القريبة". 

تكبير وألعاب نارية 

ويأخذ محمد الفحماوي المنحدر من مدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة، (المرابط منذ أكثر من 17 عامًا في الأقصى)، أيام إجازة من عمله أسبوعيًا ليوجد داخل باحات الحرم، ولا سيما عند الإعلان عن اقتحامٍ قريب، إذ تتلخص مهمته في الجلوس على مساطب الأقصى لتلاوة القرآن مع غيره من المرابطين بصوت عالٍ لتشتيت المستوطنين، ومن ثم أداء صلاة الضحى والإطالة فيها هناك. 

يقول الفحماوي لـ"فلسطين": "ليس بأيدينا سلاح غير كتاب الله عز وجل، نقرأ القرآن، ونكبر بصوت عال، وندعو على الاحتلال بالكسر والدحر". 

ويضيف: "قبل أسابيع من الاقتحامات أتحضر مع أصدقائي من المرابطين، عبر إرسال رسائل "واتساب"، وندعو من خلال مجموعات منصات التواصل الاجتماعي للحشد والرباط في الأقصى في تاريخ الاقتحام، بهدف تكثير سواد المسلمين هناك". 

ويتابع: "وجود المرابطين في الأقصى يرعب جنود الاحتلال والمستوطنين الذين يخشَون المواجهة معهم، وهذا الأمر يعيق عملية اقتحامهم، ويجعلهم يغيرون مساراتهم المعتادة"، مؤكدًا أن صوت صفارات الإنذار، رغم بساطتها، "فإنها ناجحة مئة بالمئة". 

ويبين الفحماوي أن أكثر ما يخشاه المستوطنون مشي المرابطين خلفهم في أثناء اقتحامهم، والتكبير وراءهم بصوتٍ عالٍ، وهذا يضطرهم للركض والتسريع من خطواتهم، راويًا موقفًا تعرض له صديقه حين أبعد عن الأقصى بعد تكبيره لحظة اقتحام المستوطنين الأقصى في العرض العسكري الإسرائيلي الأخير بالأعلام.