فلسطين أون لاين

الحكم الشرعي لتقسيط أداء العُمرة عبر المستثمرين أو البنوك

...
حكم الشرع لتقسيط أداء العمرة عبر المستثمرين والبنوك

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنَّ للعُمرَةِ فضائلَ عظيمةً؛ إذ هي مَرضاةٌ للرَّبِّ، نافيةٌ للذَّنـْبِ، مُطَهِّرَةٌ للنَّفْسِ، مُحَفِّزَةٌ للإيـمان، وإنَّ قسوةَ القلب، وعوارضَ الفِتَنِ لَتحتاجُ إلى شُحنةٍ إيـمانيةٍ، تـُفيضُ في القلبِ رِقـَّةً، وتـُضفي على النفس تقوىًٰ، تزيد الْمَرءَ على اللهِ إقبالاً.

ولَمَّا كان الناسُ في ضيقٍ مادِّي، ولا يَتيسَّرُ لِمُعظَمِهِمْ أداءُ العُمرةِ نقداً، اتـَّجَهوا إلى برامج التقسيط، فدَعَتِ الْحاجَةُ إلى بيان حكم تلك البرامجِ، وذلك في البنود الأربعة التالية:

أولاً/ اختلف العلماء في حكم العُمرَةِ إلى قولين؛ فذهبَ أبو حنيفةَ ومالكٌ إلى أنها سُنـَّة مستحبة، وليست واجبة، واختاره ابن تيمية، بينما ذهب الشافعيُّ وأحمدُ إلى وجوبها على الْمُوسِرِ، مَرَّةً واحدةً في العُمُرِ، وما زادَ فهُوَ نافِلَةٌ، واختاره البُخاريُّ.

ثانياً/ لا يَنبَغي لِغَيْرِ القادر أنْ يَشُقَّ على نفسه، وخاصةً إذا كان ذا عِيَالٍ وفَاقـَةٍ، فيَستدِينَ لأجلِ السَّفَرِ للعُمرةِ؛ فإن فعلَ فَضَيَّقَ على نفسه وعِيالِهِ، فإنـَّهُ يأثـَمُ بذلك؛ وفي هذا يقول النبي : " كَـفَـى بالْـمَـرءِ إثـمـاً أنْ يُـضَـيِّـعَ مَـنْ يَـقـوتُ " أخرجه أبو داود وغيره عن عبد الله بن عمرو {، وإنَّ مِنْ تضييعِ مَنْ يَعولُهم إنفاقُ ما هُمْ في أمَسِّ الْحاجةِ إليه؛ تسديداً لأقساطِ عُمرَةٍ غير مشروعةٍ في حَقـِّهِ؛ لِعَدَمِ قُدرَتِهِ على تكالِيفِها.

ثالثاً/ ومع هذا؛ فإنـَّهُ يُرَخَّصُ للمسلم أنْ يُسافِرَ للعُمرَةِ دَيْنَاً، أو بالتقسيط، إذا كان قادراً على سَدَادِ تكاليف العُمرة في وقتٍ قريبٍ، دون أنْ يُقـَتـِّرَ على عِيَالِهِ في نَفَقَتِهم وحاجَتِهم؛ فيُضَيِّقَ عليهم؛ لِتوفيـرِ ما استدانـَهُ لأجلِها؛ شرطَ ألا تـُنْجَزَ الْمُعامَلَةُ بطريقةٍ مُحَرَّمَةٍ كما سيأتي.

رابعاً/ إنَّ نظامَ تقسيط تكاليف العُمرة له ثلاثُ صُوَرٍ، ولِكُلِّ صُورَةٍ حُكْمُها، وهي كالتالي:

( الصورة الأولى ) أنْ تكون العلاقةُ بين مكتبِ العُمرة، وبين الْمُعتمر علاقةً ثـُنائيةً مباشِرَةً، دون وساطَةِ طَرَفٍ آخَرَ؛ كالبنك ونـحوه؛ حيثُ يقومُ الْمُعتمرُ بِدَفعِ الأقساطِ للمكتب مباشرة،  أو يَقومُ بتوكيلِ بنكٍ، أو جِهَةٍ أخرىٰ في تـَحويلِ الأقساطِ مِنْ رَصِيدِهِ لَدَيْهِم إلىٰ الْمَكتب في مواعيدها بأجرٍ معلومٍ، فهذه معاملة جائزة، لا بأس بها للقادر على التسديد.

( الصورة الثانية ) وفيها فرعان:

( 1 ) أنْ يَتـَّفِقَ مكتبُ العُمرَةِ مع مُستثمرٍ صاحبِ مالٍ؛  لِيكون شريكاً فعلياً له في برنامج العمرة بالتقسيط؛ فيكونُ الْمُستثمر مشاركاً بِمالِهِ، وصاحبُ الْمكتب مشاركاً بِجُهده، على أن تكون جميعُ الأرباحِ الْمتحَصِّلَةِ من برنامج التقسيط، الْمُكَوَّنَةِ مِنْ نـَصيبِ الْمَكتبِ في رُسُومِ العُمرةِ الْمُعلَنَةِ، بالإضافةِ إلى القَدرِ الزائدِ بسبب التقسيط، شَراكةً بين الْمَكتبِ والْمُستثمِرِ، بنسبةٍ يتفقان عليها ابتداءً، فهذ الْمعاملة جائزة؛ لأنها من ألوان الْمضاربة الْمَشروعة.

( 2 ) وإذا اختَصَّ الْمُستثمِرُ وَحدَهُ بِمقدارِ الزيادَةِ عن رسومِ العُمرة بِسبَبِ التقسيط، علىٰ أنْ يَكتفيَ الْمَكتبُ بِنَصِيبِهِ الْمُضَمَّنِ في الرُّسومِ، فهُوَ قرضٌ مِنَ الْمُستثمِرِ جَرَّ نفعاً؛ فيكون ربا.

( الصورة الثالثة ) أنْ يقومَ البنكُ، أو مُستثمرٌ صاحِبُ مالٍ، بِدَفعِ رُسُومِ العُمْرَةِ عن الْمُعتمِر لِمَكتبِ العُمرةِ مباشرة، لِيَستوفِيَها مِنَ الْمُعتَمِرِ مؤجَّلَةً على أقساطٍ شهريةٍ بأكثرَ مِمَّا دفعَه للمَكتَبِ، فهذه مُعامَلةٌ مُحرَّمةٌ؛ لأنَّ الرِّبا فيها واضحٌ وصريحٌ؛ حيثُ إنَّ دورَ البنكِ مُنحَصِرٌ في دَفعِ رسومِ العُمرَةِ للمكتب عن الْمُعتمر، على أنْ يَستوفِيَ مِنهُ ما دَفَعَهُ معَ الزِّيادَةِ، على أقساطٍ شَهريةٍ، وليس لذلك معنىًٰ سوىٰ الإقراضِ الذي يَجُرُّ نَفعاً لِصاحِبِهِ، ومِمَّا يُبَرهِنُ لذلك أنَّ الفائدةَ تتضاعَفُ بِزيادَةِ الأجَلِ، وهو الربا بِعَيْنِهِ، والعياذ بالله تعالى.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم

الشيخ / إحسان إبراهيم عاشور

المصدر / فلسطين أون لاين