يتعرض المسجد الأقصى يوميًّا لاقتحامات مستمرة، ولا تزال قطعان المستوطنين تواصل انتهاك حرمة المقدسات الإسلامية في كل أراضينا المحتلة، إذ تحاول حكومة الاحتلال التي تعمل على حماية المستوطنين تثبيت وقائع جديدة فُرضت على الأقصى بعد إعلان صفقة القرن والتطبيع مع الاحتلال الصهيوني اللذين يمثلان محطة مفصلية في تاريخ الصراع مع الاحتلال، وتركتا مخلفات خطيرة تنهش في عضد الفلسطينيين وتبدد كل حالة من حالات الوحدة الوطنية التي باتت مفقودة بين مكونات شعبنا، وتداعيات ذلك على القضية الفلسطينية.
إنّ من أبرز ملامح خيارات الاحتلال هو قطع الطريق أمام الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم، سواء تلك التي تتعلق بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، أو ما يتعلق بإعادة تفعيل المقاومة الشعبية بمفهومها الشمولي الذي تؤكده الشرائع والأعراف الدولية حقًّا من حقوق شعب يرزح تحت الاحتلال ويبحث عن الحرية وتقرير المصير، في حين أنّ القوانين الدولية منحت الفلسطينيين حقهم في القدس والمسجد الأقصى، وكذلك حق العودة وحق إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة تتمتع بكل مقومات الدولة، وهو ما وقَّعه الاحتلال في اتفاق إعلان المبادئ، التي يرفضها شعبنا الفلسطيني، وترفضها فصائل المقاومة، لكونها لم تقدم سقفًا زمنيًّا لإنهاء الاحتلال من أرض فلسطين، ولا تتعاطى مع حقوق شعبنا في العودة إلى الأراضي التي احتُلت عامي 1948 و1967.
في سياق ذلك وعلى إثر الانقسام الفلسطيني وتداعياته، تشكّلت قوى جديدة تتعاطى مع الاحتلال من خلال التنسيق الأمني، ومن خلال معطيات وأدوات أخرى لا تمثل سوى منظومة حكومية طمست كل أشكال المقاومة، علمًا أنّ هذه المنظومة تحظى باعتماد دولي وقادرة على ملاحقة ومحاكمة الاحتلال، لكنها استُبدلت بخيارات كانت من المهم أن تُطرح وبقوة وتضغط على النظام الدولي لإدانة الاحتلال ووقف جرائمه في القدس، خياراتٍ تتعلق بملاحقة المواطنين في الضفة واعتقالهم دون وجه قانوني، والزجّ بهم في المعتقلات وتلفيق التهم بحق عدد كبير منهم، كما حدث مع معتقلي حادثة منجرة بيتونيا الذين بقي منهم عدد يقبعون في معتقل أريحا، ويُمارس بحقهم أبشع تعذيب شهدته المعتقلات في الضفة.
من هذا المنطلق جاءت معركة سيف القدس لتعيد للأقصى مكانته الدينية والتاريخية، وعمقه بين العرب والمسلمين، لكون هذه القضية لا تتعلق بالشأن الفلسطيني على وجه الخصوص، لكنها مسؤولية عربية وإسلامية، لا يمكن النأي عنها مهما كانت الضغوطات التي تتعرض لها دول المنطقة، وتتعرض لها الشعوب العربية، باعتبار أنّ الجرائم بحقّ الأقصى تتم بغطاء دولي وبقرار أمريكي بعد أن كشف رئيس الإدارة الأمريكية السابق "ترامب" القناع عن الوجه الحقيقي للإدارة الأمريكية التي تنحاز دومًا للاحتلال، بل هي من تصنع سياسات الاحتلال وتحمي قراراته، وتدعم توجهاته المستقبلية في المنطقة، وما يحدث اليوم على الحدود اللبنانية من استيلاء الاحتلال على حقل الغاز "كاريش" يمثل نموذجًا للموقف الأمريكي الداعم للاحتلال، إذ يستثمر ذلك في تحقيق الأهداف الرئيسة للسياسة الخارجية الأمريكية، كذلك الموقف من مطار رامون الذي منحت من خلاله الحكومة الصهيونية للفلسطينيين التنقل من الضفة الغربية لبلدان العالم واستبدال معبر الكرامة "المنفذ إلى الأردن"، وهي خطوة أراد منها الاحتلال ضرب العلاقة بين الأردن والفلسطينيين، وما لهذه العلاقة من بُعد تاريخي يتعلق بالمسجد الأقصى.
وما بين تلك المواقف التي تدعم الاحتلال، والمواقف التي تحمي المقدسات، هناك مقاومة ثابتة على مبادئ وحقوق شعبنا، ولن تتخلى يومًا عن هذه الحقوق، لكنها بحاجة لإسناد ودعم عربي وإسلامي، يتمثل في دعم حقوق الفلسطينيين والحفاظ على وحدة شعبنا، وألا تنحرف البوصلة عن القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين.