كان المشهد مرعبًا للاحتلال الإسرائيلي، نابلس تخرج عن بكرة أبيها، بقضها وقضيضها، عشرات آلاف الشباب في قبضاتهم الغضب، الذي صار لهبًا في الشوارع، وحجارة يرجمون بها مركبات أجهزة أمن السلطة، مشاهد أعادت إلى أذهان الإسرائيليين تلك الهجمات الفلسطينية على المركبات الإسرائيلية، زمن الانتفاضة، مشاهد أرعبت أجهزة أمن الاحتلال، وأربكت حسابات قادة أجهزة أمن السلطة، الذين فاجأهم حجم الغضب الفلسطيني، بل خلط أمام أعينهم الأوراق، وألزمهم الاختفاء والاحتماء قلقًا وتحسبًا، وهم يتشككون بقدرتهم على بسط سيطرتهم على نابلس؟
لقد أثبتت نابلس أنها جبل النار، وأنها قلعة الثوار، وأنها موطن الأحرار، الذين يقودون المرحلة، ويرفضون الضيم، وأنهم خط الدفاع الأول عن الوطن فلسطين، ومعهم كل القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، التي انتفضت نصرة لنابلس، التي حملت الراية، وتقدمت تقاتل المحتلين من جهة، وتدافع عن كرامتها في وجه المتعاونين من جهة أخرى.
نابلس التي وثقت بنفسها، وقدمت الشهداء والجرحى؛ رفضًا للتنسيق والتعاون الأمني، نابلس عرفت طريقها، وهي تمسك بعنق الوقت، بعد أن أعطت أجهزة أمن السلطة مهلة زمنية لإطلاق سراح مصعب اشتية وزميلة، وما دون ذلك، فنابلس برميل بارود متفجر، ولن يقبل عرين الأسود أن يندس إلى صفوفه الثعالب والذئاب، فعرين الأسود لا يدخله إلا الشرفاء المقاومين للاحتلال، وإن استجاب قادة عرين الأسود لنداء التهدئة، ولمناشدة شخصيات نابلس، فذلك لا يعني أنهم تخلوا عن مصعب اشتية، وأنهم دفنوا كرامتهم برمال الصمت، عرين الأسود ينتظر إطلاق سراح مصعب اشتية في كل لحظة، وما دون ذلك، فلن تنام نابلس على خديعة، ولن تصمت نابلس على غدر.
لقد أثبت أحداث نابلس أن يد الصهاينة أضعف من أن تقتلع أشجار المقاومة، وأثبتت الأحداث الأخيرة أن رجال المقاومة هم كل الشعب الفلسطيني، وإن حركة حماس باتت وزناً جماهيراً يعمل له الصهاينة ألف حساب، وأن الشعب الفلسطيني أكثر التفافاً حول المقاومة، وأكثر استعداداً للمواجهة والتضحية، وأن أجهزة أمن السلطة هي الملاذ الآمن لجيش الاحتلال يتوكأ عليها، ويرتكز على اندفاعها، ويحتمي بانصياعها لأوامره.
نابلس ستجبر الصهاينة على إعادة ترتيب أولويات عملهم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأهمها، عدم التفكير بأي عملية عسكرية كبيرة، على غرار عملية السور الواقي سنة 2002، وعدم التفكير في اقتحام المدن الفلسطينية كما حدث في الأشهر الماضية، ضمن ما يسمونه عملية كاسر الأمواج، وستكون أولوية العمل بالنسبة للإسرائيليين؛ تقوية أجهزة أمن السلطة، وإعادة الثقة بها كقوة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن العمل بدونها، ستقوم مخابرات الاحتلال بتزويدها بالمال والسلاح والتكنولوجيا والمعدات التي تمكنها من مقاتلة الشعب الفلسطيني، والاشتباك معه على مدار الساعة، بهدف إشغال الفلسطينيين بأنفسهم، بعيداً عن مشاغلة الاحتلال.
ولتحقيق ذلك، ستكون توصية أجهزة أمن الاحتلال للمستوى السياسي الإسرائيلي بضرورة رفع أسهم قيادة السلطة من خلال اللقاءات الشكلية، والمفاوضات العبثية، التي تشجعهم على تسويق فكرة المشروع الوطني، و"حل الدولتين"، ومستقبل الشعب الفلسطيني.