فلسطين أون لاين

على خشب الزيتون والصنوبر 

تقرير القواسمي.. فنانة خمسينية تدمج الألوان بـ"سحر التنقيط"

...
من أعمال الفنانة سحر القواسمي
القدس المحتلة - غزة/ هدى الدلو:

تمسك سحر القواسمي بقطعة خشب شبه مستديرة كانت قد أهدتها إياها ابنتها قبل سنوات وقد بهتت ألوانها، وتعمل بتأنٍّ على إعادة تدويرها فنيًا بدهنها ورسمها من جديد، معتمدة على فن التنقيط.

وأثار عملها الفني إعجاب من حولها وسط تشجيع للسيدة الخمسينية بالعودة إلى هوايتها التي كادت أن تندثر بسبب التزاماتها التربوية تجاه أسرتها.

تقول القواسمي: إن هدية ابنتها لها في إحدى المناسبات أثرت في نفسها بعدما وجدتها في حالة بائسة، فاشترت ألوان الأكريليك التي اعتادت الرسم بها.

تعيش القواسمي في مدينة القدس، وتمتلك هوايات متعددة وتنظر بعين فنية إلى كل شيء من حولها، فتراها تجيد التطريز والأشغال اليدوية بالإضافة إلى الفن التشكيلي.

تتحدث لصحيفة "فلسطين" بأن موهبتها لم تكن وليدة اليوم والليلة، فمنذ أن كانت طفلة وهي تراقب والدتها التي تهوى الفنون وتدرسه في المدارس، فترسم على الفخار بالتنقيط بعد دهنه، وتبيعه في محل والدها بحارة النصارى للسياح القادمين إلى المنطقة.

تتابع القواسمي: "ورثت الموهبة الفنية عن والدتي وأصبح الرسم مادتي المفضلة، وإبداعاتي في الرسم حجزت لها مكانًا للمشاركة الدائمة في المعارض المدرسية".

وتضيف: "كنت أتابع حركات أمي بشغف، الحركة تلو الأخرى. أسلوبها في مسك الفرشاة وعنايتها في اختيار الألوان، كانت تلك الساعات التي تقضيها في الرسم تسعدها وترسم البسمة على وجهها".

وتصف فن التنقيط بأنه "فن حساس وراقٍ"، ومن الأدوات التي تستخدم فيه الأقلام ذات الرأس الرفيع حتى ينسجم التنقيط مع بعضه، وقد استخدمه العديد من الفنانين والرسامين الذين يرغبون في جعل لوحاتهم ذات طابع خاص ومختلف عن باقي اللوحات.

المدرسة الانطباعية

وعرفت المدرسة الفنية التنقيطية في القرن التاسع عشر في فرنسا، ويعد الفنان "جورج سورا" رائدًا من روادها.

تعتمد توليفة الفن التنقيطي على وضع المئات من النقاط الصغيرة بجانب بعضها لتبرز لمعان ألوان اللوحة باستخدام لمسات صغيرة ذات ألوان موحدة لم يتم خلطها لتوضع جنبا إلى جنب وتمتزج معا عند مشاهدتها من مسافة بعيدة، فيتم بذلك خلط الألوان معا بواسطة العين وليس بواسطة ريشة الفنان.

وتعد لوحة "بعد الظهر يوم الأحد في لاغراند جات" من الرسومات الأكثر شهرة والأكبر حجما للرسام سورات، وهي واحدة من أبرز الأعمال التي تركت بصمة فارقة بعد المدرسة الانطباعية في القرن 19.  

وكان سورات يعيش في باريس عندما بدأ رسم هذه القطعة الفنية في عام 1884، واستغرق العمل عليها عامين قام خلالهما بإنشاء أكثر من سبعين رسما أوليا ورسومات زيتية.

وتقول القواسمي إن فن التنقيط يصنف كأحد أنماط الفن التجريدي، ويعتمد على وضع النقاط قريبة من بعضها بشكل غير منظم أي عشوائي، وتبعد عن بعضها بشكل تدريجي، ولا بد من التدقيق بقدر الإمكان حتى لا تختلف أحجام النقاط بالرسمة الواحدة، ويمكن استخدام لون واحد بتدرجاته، وتموجاته، أو عدة ألوان على حسب ما تحتاج اللوحة، أو تخضع لرغبة الفنان.

وتشير إلى أن ظهور اللوحة بشكل جميل وجذاب يعتمد على الضوء والظل كما في كل فنون الرسم.

وعن سر انجذاب القواسمي لهذا الفن، تقول: "إنه يشبه الفن الإسلامي، وهو فن شائع في العالم رغم عدم انتشاره في فلسطين، كما أن استخدام الألوان بهذا الشكل يعطيني طاقة إيجابية، كما أن فن التنقيط يلعب على الجانب النفسي للشخص حيث التماثل والتوازن والسلام، ويعلم الصبر وطول النفس والدقة والتركيز، حتى إن الشكل النهائي للوحة يعطي نوعًا من الراحة النفسية والاسترخاء". 

وتلفت إلى أن اللوحة تحتاج إلى ساعات وقد تمتد لأيام حسب حجمها، إلى جانب أن الخشب يحتاج إلى تهيئة قبل بدء الرسم عليه، وبعد الانتهاء يتم طلاؤه بطبقة عازلة "ورنيش" لتحميه من التغيرات الجوية.

واختارت القواسمي خشب الصنوبر والزيتون للرسم عليه لكونهما من الأخشاب الناعمة ذات البنية الموحدة والشكل المستوي، ولونهما أبيض مائل إلى الاصفرار، ولتحقق اندماج مع الطبيعة في الرسم فيعطي تأثيرا جميلا.

لا تنفك عن متابعة آخر التطورات في هذا النوع من الفن، وتقرأ عنه بشكل دائم وعن فنانين كبار فيه في محاولة منها للوصول إلى شيء مختلف وجديد.

وما يضيق به صدرها أن البعض لا يقدر طبيعة هذا الفن ويستهين به وما يحتاجه العمل من وقت وصبر ودقة وتركيز وكثيرًا ما يتسبب لها في آلام بالرقبة، وتطمح أن تحدث أثرا في هذا النوع من الفن.