ما زالت مسألة رفض الخدمة العسكرية في صفوف جيش الاحتلال تشهد تمددا تدريجيا بين الشباب الإسرائيليين، رغم ما قد يواجهونه من عقوبة السجن لعدة أشهر، لكنهم مع ذلك يواصلون الامتناع عن الانخراط في الجيش لاعتبارات مختلفة، أهمها أنهم يرفضون أن يكونوا جزءًا من منظومة الاحتلال القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كاتب السطور اطلع في الأسابيع الأخيرة على عينات من رسائل خطّها عدد من رافضي الخدمة الإسرائيليين، سواء أرسلوها لقيادة جيش الاحتلال، أو وجدت طريقها لوسائل الإعلام، وهم يعلمون أنهم سيتعرضون للسجن لأنهم رفضوا التجند في صفوف الجيش، صحيح أن السجن لن يتجاوز أسابيع قليلة، لكن هناك ملايين الفلسطينيين محرومون من الحرية منذ عقود طويلة، ويعيشون في واقع نقاط التفتيش العسكرية، والسيطرة التعسفية، والتحكم في مصيرهم.
يسوِّغ الإسرائيليون الرافضون الانضمام إلى صفوف جيش الاحتلال موقفهم الذي يصفونه بـ"المبدئي" بأنهم ضد تحوّلهم أداة في احتلال الشعب الفلسطيني، ولعل وضعهم في السجن، ولو بضعة أيام أو أسابيع، يجعلهم يفكرون بعمق أكثر في الواقع الذي يحياه ملايين الفلسطينيين ممن يعانون سلوك الاضطهاد من الجيش والدولة، وبقوا سنوات وعقودًا طويلة تحت الاحتلال الكولونيالي، في ظل نظام عسكري لا يسمح لهم بالتنقل إلا بصعوبة في طرق محاطة بالحواجز والقوات العسكرية التي تتحكم بقرارات تعسفية بقدرتهم على الحركة، ويعرفون أنه في أي لحظة، يمكن للجنود الإسرائيليين، أن يسلبوا حريتهم وأطفالهم، وسجنهم دون تهم.
يعترف عدد من هؤلاء الإسرائيليين الرافضين للخدمة العسكرية أن تجربة السجن التي قضوها بسبب امتناعهم عن الذهاب إلى الجيش دفعتهم للتفكير بالفتيان والفتيات الفلسطينيين الذين يسيرون إلى مدارسهم، ويمرون بالمواقع الاستيطانية، وعبورها، مع ما يصاحبهم من اعتداءات عنيفة من المستوطنين، في حين يباشر الجنود هدم منازل الفلسطينيين، والنتيجة أن هذا النظام العسكري الإسرائيلي القمعي عمل على تقويض حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
يؤكد تواتر مظاهر الرفض الإسرائيلية للخدمة في جيش الاحتلال، أن الرافضين، رغم أنهم لا يمثلون شريحة واسعة في مجتمع الاحتلال، لكنهم يعتقدون أن المحتل الأجنبي سيطر على كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين، بما فيها القدرة على الحركة، وكسب لقمة العيش، والتعبير عن أنفسهم، والوصول للبنية التحتية، وكأن هذه القوانين والأنظمة الإسرائيلية مصممة لإحساس الفلسطينيين بالضعف، وتركهم تحت رحمة نظام قمع قوي وغير مقيّد.
الخلاصة أن هؤلاء الرافضين، على قلّتهم، وكأنهم يعلنون أنهم لن يشتركوا فيما يسمى حرب "سلامة المستوطنات"، ولن يواصلوا القتل خلف الخط الأخضر، بهدف السيطرة والطرد والهدم والإغلاق، والتصفية والتجويع والإهانة لشعب بأكمله، رغم أننا أمام سلوك فردي، دون أن يشكل توجهًا إسرائيليًّا عامًا.