شهد الثاني عشر من سبتمبر 2005 أول مرحلة من مراحل التحرير بعد صراع طويل مع الاحتلال، وبعد أن فشلت مسارات التسوية بين انعدام الثقة واختلال التوازنات في العلاقة بين السلطة والاحتلال، وتداعيات هذا المشهد على العلاقات الفلسطينية_ الأمريكية، بعد الانحياز الأمريكي التام للاحتلال، الأمر الذي فرض واقعًا خطيرًا على المنطقة برمتها، يتمثل في إعلان الأطراف الثلاثة (الاحتلال، السلطة، الادارة الامريكية) عن مشروع التنسيق الأمني، والذي حل بديلاً لمشروع ما يُعرف بالسلام.
جاءت انتفاضة الاقصى لتبدأ فصولها من جديد، وتجمع القوى التي غيبتها أوسلو عن المشهد الفلسطيني، وشقت طريقًا استراتيجيًا بين عشية وضحاها، للإعلان عن مسار جديد، لم يكن موازيًا للمسار السياسي، بل متقاطعًا مع حقوق شعبنا، ومؤمنًا بأن القدس والعودة وفلسطين هي الحقوق المقدسة كتلك الدماء التي نزفت وما تزال تشعل في طريق شعبنا سراجًا نحو القدس، وترسم خارطة جديدة للوطن بعد أن قضمت الاتفاقات المشبوهة مع الاحتلال ما يزيد عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، واتسعت بها سلب أراضي الضفة وإقامة التجمعات الاستيطانية تحت غطاء أمريكي ودولي.
ادعى الاحتلال أن غزة لا تمثل له أهمية استراتيجية من الناحيتين السياسية والدينية، وأعلنت حكومة الاحتلال أن فرض واقع جديد في الضفة يعد خيارًا صهيونيًا ذا أبعاد استراتيجية، لكن المقاومة أثبتت وما زالت تثبت أن هذا الادعاء جاء تحت ضربات المقاومة التي حصدت أرواح العشرات من المستوطنين الجاثمين على أرض غزة، وضربت منظومة أمن تلك المستوطنات التي باتت ترزح تحت التهديد الفعلي للمقاومة آنذاك، حيث لم يعد يمتلك الاحتلال أي نوع من مقومات الحماية والأمن، وهو ما دفع برئيس وزرائه ارئيل شارون إعلان خطة فك الارتباط عن غزة.
أوجدت المقاومة في غزة بعد التحرير بيئة مناسبة، وأكثر أفضلية للعمل وفق مسارين، المسار السياسي الذي يدعم مشروع المقاومة، ويحافظ على الثوابت، والمسار المقاوم الذي اتسعت تشكيلاته من جديد وتطور بالتزامن مع فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية 2006 وهي إحدى نتائج ومؤشرات قدرة المقاومة على إدارة الصراع؛ لم يعد الاحتلال يتحمل تبعات قرار فك الارتباط الذي جاء في ظروف أمنية معقدة، ألحقت بالاحتلال خسائر جسيمة على المستوى السياسي نتيجة فقدانه سيطرة السلطة على قطاع غزة، والمستوى الأمني بعد أن بات عرضةً للاستنزاف أمام مقاومة تتطور تشكيلاتها في سباق مع الزمن.
يدرك الاحتلال أن العوامل البيئية لعبت دورًا مهمًا في تغيير بعض المفاعيل على الأرض، كتلك التي كانت داعمة للاحتلال، والتي تتمثل في تعميق الانقسام واتساع دائرة الخلافات بين القوى والفصائل الفلسطينية، وحيث أن العدو الصهيوني وعبر مر السنين سجل إخفاقات كبيرة أمام المقاومة، فقد أخفق من جديد في تعطيل مشروع المقاومة بعد فشله في إمكانية أن يتأثر هذا المشروع بالحصار الذي ما زال مستمرًا.
نجحت المقاومة في كسر الحصار عسكريًا، بعد أن فرضت طوقًا جويًا، وحصارًا ميدانيًا لكافة المدن المحتلة، وجعلت من معركة سيف القدس نموذجًا جديدًا على طريق التحرير، ومحطة مهمة لاكتمال مشهد الهروب الصهيوني من فلسطين.