اتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الشهير باسم اتفاق أوسلو، رُوج على أنه اتفاق سلام سيفضي إلى دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، أي الأراضي التي احتلتها (إسرائيل) عام 76 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي سبيل الوصول إلى هذه "الكذبة" تنازلت منظمة التحرير عن 78% من مساحة فلسطين التاريخية لصالح الكيان الصهيوني متجاوزة حتى قرار التقسيم الصادر عام 1947 والذي منح (إسرائيل) 55% من مساحة فلسطين، فكان "الكرم العربي" لقيادة منظمة التحرير حاضراً يعبر عن "شهامة العربي" على حساب الحقوق والتاريخ والمبادئ والقيم التي كافح الشعب الفلسطيني طوال مائة عام من أجلها.
لم تقف حدود الكذب الذي رُوج عن اتفاق أوسلو عند مسألة إقامة دولة على "خطوط "وليس "حدود" 67 وإنما تجاوز الكذب هذا الحد ليقال إنه هناك اعتراف متبادل بين (إسرائيل) "ومنظمة التحرير" وللوهلة الأولى يظن السامع أن (إسرائيل) اعترفت لمنظمة التحرير بنفس الحقوق التي اعترفت بها منظمة التحرير لـ(إسرائيل) ولكن الغش والتدليس الذي اتضح بعد ذلك أكد أن منظمة التحرير اعترفت بالآتي:
1- حق (إسرائيل) في العيش في أمن وسلام.
2- حق (إسرائيل) في خطوط الرابع من حزيران أي 78% من مساحة فلسطين.
3- تنبذ منظمة التحرير الإرهاب والعنف أي "المقاومة".
4- تحذف منظمة التحرير البنود التي تدعو للكفاح المسلح في ميثاقها.
5- تأخذ منظمة التحرير على عاتقها إلزام كافة عناصر منظمة التحرير بما سبق وضبط أي منتهك لهذه البنود.
وعلاوة على ذلك وجه ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير رسالة إلى وزير الخارجية النرويجي "عراب الاتفاق" يؤكد فيها موقف منظمة التحرير الذي يدعو فيها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لتطبيع الحياة مع الصهاينة ورفض العنف والإرهاب والمساهمة في السلام.
وفي مقابل كل ما سبق اعترفت (إسرائيل) فقط بما يلي:
1- منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. (وهذا الاعتراف لا يعني شيئا من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني) وإنما فقط قبول (إسرائيل) بالحديث مع منظمة التحرير التي كانت ترفض الحديث معها باعتبارها منظمة إرهابية.
2- تقر (إسرائيل) بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي وليس دولة ذات سيادة.
3- تكون (إسرائيل) هي المسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي.
من خلال ما سبق يتضح بشكل جلي أن الشعب الفلسطيني تعرض لعملية خداع استراتيجي أراد موقعو الاتفاق من خلاله إقناع الشعب الفلسطيني أو جزء منه على الأقل بهذا الاتفاق الذي لم يذكر من تفاصيله شيء، وإنما روَّج على أنه اعتراف بدولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران لعام 67.
وقد صاحب ذلك دعاية مضللة بأن الضفة الغربية وقطاع غزة ستكون مجرد موطئ قدم لمنظمة التحرير للانطلاق نحو تحرير باقي فلسطين وقد سمعت وعاينت ذلك وأنا فتى يافع في مؤتمرات ونقاشات علنية لحركة فتح في محاولة بائسة لتسويق الاتفاق، حيث أن الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت لم يكن يقبل بفكرة دولة على خطوط 67 والتنازل عن فلسطين التاريخية، تلك الدولة التي كانت هي غاية المنى لقادة منظمة التحرير لو تمت والتي لم تتم حتى بعد ثلاثين عاماً من التوقيع.
لم يقف الحد عند الترويج لأكاذيب حول الدولة والسلام واستعادة باقي الأراضي لإقناع بسطاء الشعب الفلسطيني بما لم يفلح الاحتلال بإقناعهم به خلال عقود طويلة من الاحتلال، بل لقد صاحب الفكرة تطبيقات عملية تمثلت في قيام بعض مطاردي منظمة التحرير بتسليم سلاحهم لقوات الاحتلال في مجمع السرايا وسط مدينة غزة في مشهد لم يكن الفلسطيني يتصوره في أسوأ كوابيسه، ذلك أن سلاح الثورة هو شرف الثائر ومن يفرط بسلاحه كمن يفرط بعرضه، تلك هي المفاهيم التي نشأ عليها الشعب الفلسطيني والتي تشكلت في وجدانه وأصبحت عقيدة راسخة انتقلت من الآباء للأبناء.
ولكن الحق لا يغيب وإن حجبته حتى حين سحب الباطل والضلال، فيُصدم اليوم قادة الاحتلال وصناع أوسلو والمتعلقين حتى الآن بالأكاذيب والأضاليل التي روج لها مبدعو أوسلو بجيل فلسطيني يعشق السلاح والمقاومة ويأبي على نفسه التفريط بسلاحه أو تسليم نفسه فيستشهد شامخاً عزيزاً ويشهد على بطولته سلاحه المبلل بدمه، فمن يقاوم الآن هو جيل نشأ بعد أوسلو وعايش مرارة الذل الذي فرضته أوسلو على شعبنا وتكشفت أمامه بمرور الزمن حجب الكذب والباطل التي حجبت شمس الحق الفلسطيني حيناً من الدهر، وظهر زيف أوسلو جلياً فخرج من رحم أوسلو من يدوس بقدمه التنسيق الأمني ويكفر بإعلان المبادئ ويسبب التطبيع ويلعن الذين حرّفوا الميثاق.
اليوم بعد 29 عاماً يسقط أوسلو تماماً ويرتفع عالياً لواء المقاومة ولكن يبقى في القوم من تأخذه العزة بالإثم فيعاند حقائق التاريخ كمن يكفر بالله عناداً.