29 عامًا مرّت على توقيع اتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، التي شكّلت "كارثة ونكبة ثانية" على الشعب الفلسطيني وقضيته برمتها كما يصفها مراقبون، ولم تحقق السلطة من خلالها سوى "صفر إنجاز" للحقوق الفلسطينية، ولم يتبقَّ منها سوى الحفاظ على أمن الاحتلال.
ففي تاريخ 13 سبتمبر/أيلول 1993، وقّع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء الاحتلال إسحق رابين اتفاق تشكيل "سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي" والمعروف بـ "اتفاق أوسلو"، والذي مهد لمرحلة جديدة من تاريخ القضية الفلسطينية.
ونص الاتفاق على أن تغطي المفاوضات بعد انقضاء ثلاث سنوات القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، وما يجده الطرفان من قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، وكل ذلك سيتم بحثه استنادًا إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
قطيعة وشلل
ويرى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، أن اتفاقية "أوسلو" مثّلت قطيعة مع التاريخ الكفاحي والنضالي للشعب الفلسطيني، ووفرت للاحتلال فرصة لتنفيذ سياسة أمنية وهي إعادة الانتشار.
وقال عرابي لصحيفة "فلسطين": إن "الاحتلال ظل مُسيطرًا على أراضي عام 67، مع تخفيف بعض الاحتكاك اليومي مع الفلسطينيين"، مشيرًا إلى تمدد الاستيطان في ظل "أوسلو" وجرى تحويل جزء أساسي من حركة التحرر الوطني لسلطة في ظل الاحتلال مرتبطة عضويًّا باتفاقية "أوسلو" التي تكبل الإمكانيات الكفاحية والثورية.
وبيّن أن هذه الاتفاقية أدت إلى خلق شرخ كبير بين الفلسطينيين، وشكّلت جسرًا للاحتلال لاختراق العالم العربي سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، لافتًا إلى الاحتلال أخذ من "أوسلو" ما يخدمه وتنصل من البنود الأخرى.
وأضاف: "لا يوجد الآن أي فلسطيني حتى القائمين على "أوسلو" ومشروع التسوية يؤمن بجدوى هذا الاتفاق، خاصة أنه كان من المفترض انتهاء الفترة الانتقالية عام 2000 ولكن لا تزال حتى الآن".
وهذا ما ذهب إليه الناشط والكاتب السياسي د. غسان حمدان، إذ رأى أن "أوسلو" أنهت المشروع السياسي الفلسطيني والقضية برمتها، وأضعفت الحركة الوطنية والسياسية التي انقسمت بين مؤيد ومعارض.
ووصف حمدان لـ"فلسطين"، الحركة الوطنية السياسية بأنها "مشلولة على ذاتها" بفعل الانقسام الذي أوجدته أوسلو "بلا رجعة"، لافتًا إلى أن "الاتفاقية أنهت المشروع السياسي ما أدى إلى تقسيم الأرض الفلسطينية بشكل نهائي".
وقال: "بات واضحًا أن الاحتلال ما بعد "أوسلو" لا يسعى لتحقيق النتيجة النهائية من الاتفاق وهي إنهاء الاحتلال على أراضي الـ67 والتفاوض على القضايا الأساسية".
وأضاف أن "الاتفاقية شؤم على الشعب الفلسطيني والقضية بأكملها، إذ تحولت من تحرر وطني لقضية حكم ذاتي وشوّهت الواقع الفلسطيني".
جوهر الاتفاقية
وبحسب حمدان، فإن التنسيق الأمني الذي ارتفعت وتيرته في الفترة الراهنة مثّل جوهر الاتفاقية والقضية الأساسية حيث تحولت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، أداة لحماية أمن الاحتلال وأصبحت "بلا قرار".
وبيّن أن التنسيق الأمني قيّد قدرة القوى والفصائل الوطنية على مقاومة الاحتلال بشتى الطرق، عدا عن أنه أوقف الحركة الوطنية وأدى لحدوث الانقسام السياسي الفلسطيني، مضيفًا "أصبحنا في وضع حرج والمجتمع منقسم وهذا أضعف قدرتنا على مواجهة الاحتلال".
ولفت حمدان إلى أن "التأثيرات التي أنتجتها "أوسلو" قاتلة للقضية الفلسطينية وتطورها وحقوق الشعب الفلسطيني، إذ إن (إسرائيل) أصبحت لا تلتزم إلا بما يتوافق مع مصالحها".
ويعتقد أن وجود السلطة هي مصلحة عربية ودولية وإسرائيلية، ولا أحد يُعنى بانهيارها، متابعًا "طبيعة وجود ودور السلطة في الوقت الراهن هو بحاجة إلى نقاش عميق وتفاهمات من كل القوى الوطنية والسياسية".
نكبة ثانية
من ناحيته، قال المحلل السياسي خالد العمايرة: إن "اتفاقية أوسلو شكّلت "نكبة ثانية" للشعب الفلسطيني، كونها أعطت (إسرائيل) نوعًا من الشرعية الاحتلالية.
ووصف العمايرة لـ"فلسطين"، الاتفاقية بأنها "كارثة"، لا سيّما أنها اتسمت بالغموض، ومنظمة التحرير اعترفت بـ(إسرائيل) دون ذكر حدودها.
وبيّن أن (إسرائيل) اعترفت بالمنظمة أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فقط "وهذا لا يسمن ولا يغني من جوع"، حسب وصفه.
وأضاف: "لم يبقَ عند الفلسطينيين أي إيجابية واحدة تجاه السلطة التي تطبق اتفاقية أوسلو فقط، بينما تمعن (إسرائيل) في قتل الفلسطينيين وتصادر وتدمر بيوتهم على مرأى العالم".
وأوضح أن السلطة تكتفي بترديد عبارات التنديد فقط، والتي تثير الإحباط في الشارع الفلسطيني، معتبراً أنها تصريحات "تعكس الهزيمة والفشل والعجز".
تجدر الإشارة إلى أن "التنسيق الأمني" الذي أفرزته "أوسلو" يتغلغل في مدن الضفة في المرحلة الراهنة، حيث تكثف قوات الاحتلال اقتحاماتها واعتقال المواطنين أمام أعين أجهزة أمن السلطة، التي لا تحرك ساكنًا، بل تسّهل لها المهمة والوصول لبعض نشطاء المقاومة.