في مثل هذه الأيام من عام 1993، وقعت حكومة الاحتلال مع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق إعلان المبادئ المسمى لاحقا اتفاق أوسلو، الذي شكل سابقة تاريخية في اعتراف فلسطيني بدولة الاحتلال، مما منحه شرعية وتنازًلا لم يتصوره الاحتلال منذ نشأتها.
29 عامًا على توقيع اتفاق أوسلو، ولم يتصور إسرائيلي واحد في أشد أحلامه وردية أن يأتي اليوم الذي يعترف فيه الفلسطينيون، أصحاب الأرض والقضية، للاحتلال بأحقيته في أرضهم، وسيطرته عليها.
اليوم، بعد قرابة ثلاثة عقود من توقيع الاتفاق، واتضح أمام الفلسطينيين أن اتفاق أوسلو لن يقود لتحقيق حلمهم بالتخلص من الاحتلال وحق تقرير المصير، بل العكس، فإن الاتفاق فاشل على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحقق فقط مصلحة الاحتلال، بعد أن تبين أن الاتفاق له مهمة واحدة، وهي قيام الجانب الفلسطيني بمهمة قذرة، تتمثل بمنع المقاومة من القيام بدورها، ومنح الاحتلال فرصة التفرغ لتطبيع علاقاته مع الدول العربية، وهو ما تبين اليوم من خلال اتفاقيات التطبيع الأخيرة.
هذه القناعة لم تقتصر على الفلسطينيين فقط، بل إن الإسرائيليين أيضًا رأوا منذ لحظاته الأولى، واليوم بعد كل هذه المدة، أن اتفاق أوسلو يحمل بذور فشله في ذاته، وأنه سينهي نفسه بنفسه، رغم بقاء مهمته الأساسية المتمثلة في حفظ أمن الاحتلال، على حساب القضية.
اللافت أن المواقف الفلسطينية من الاتفاق المذكور، لم تتعد الرفض النظري غير القائم على تقديم الرؤى والبدائل، باستثناء إظهار العيوب التي تعتري هذا المسار الفاشل؛ ورغم ما قدمته القوى الفلسطينية من تأصيل تاريخي وأيديولوجي يفسر رفضها للاتفاق، لكنه أظهر قدرة على البقاء والديمومة طوال هذه المدة، سواء لأسباب ذاتية تخص أصحابه، أو رغبة الاحتلال بترسيخه، أو إرادة المجتمع الدولي الساعي لتسكين الصراع، في ظل عجزه عن إلزام الاحتلال بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
مع العلم أنه منذ توقيع الاتفاق، الذي قام على أساس التفريط الفلسطيني بـ78% من أرض فلسطين التاريخية، في إطار ما يسمى بحل الدولتين، فقد بات الفلسطيني أمام نموذجين، نموذج يراهن على مفاوضات لم تجنِ سوى وهم وسراب، وآخر امتشق السلاح، وانتهج المقاومة طريقاً لاستراد حقوق شعبنا المسلوبة.
اليوم في ظل انسداد الأفق السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي ظل الانزياح اليميني لدى الاحتلال يظهر لافتًا التوجه الإسرائيلي بالتخلص من اتفاق أوسلو، بزعم أنه أنشأ نواة للدولة الفلسطينية العتيدة، رغم أن الوقائع على الأرض تؤكد أنه زاد في بعد المسافة عن إقامتها، مقابل كيان إداري تنفيذي يريح الاحتلال من الأعباء الاقتصادية والمعيشية، وفي الوقت ذاته يبقى المفتاح السياسي والأمني بين يديه، حتى تحول بفضل أوسلو، ومع مرور الوقت، إلى احتلال "سوبر ديلوكس"!