بصورة لافتة، باتت التحذيرات الإسرائيلية تتصاعد في الآونة الأخيرة مما تسميه "سيناريو الكارثة" المتمثل بقيام "دولة واحدة" للشعب الفلسطيني والإسرائيليين، بدل "حل الدولتين" الذي يسعى الاحتلال للقضاء عليه بمشاريعه الاستيطانية، ما يعني استمرار الصراع الذي بدأ قبل أكثر من قرن من الزمن، وإمعانه بمواصلة سيطرته على الشعب الفلسطيني دون استجابته لدعوات وقف توسعه الجغرافي في الأراضي المحتلة، تزامنا مع تزايد المخاوف الإسرائيلية، وعلى نطاق واسع، من عدم وجود مخرج أمام انسداد الواقع الأمني والسياسي، مع وجود أكثر من 700 ألف مستوطن يقيمون مستوطناتهم على أراضي الفلسطينيين.
من الطبيعي أن هذا الإمعان الإسرائيلي ستكون نتيجته إبقاء المنطقة في حالة اشتعال وتوتر بعكس ما يرغبه الاحتلال، بدليل أن الخلايا المسلحة تعمل في الضفة الغربية، وتصطدم مع جيشه، وتهاجم المستوطنين، ويميل الرأي العام الفلسطيني نحو تأييدها، فيما يشهد الاحتلال انتشارا للتطرف نحو اليمين، ونمو التيار السياسي ذي التوجهات التوراتية.
مع العلم أن مرور الوقت لا ينذر بالاسترخاء الأمني، بل يغذي الشعور باندلاع هبّة شعبية مماثلة لما شهده مايو 2021، وشموله لفلسطينيي 48، بحيث قد تشهد دولة الاحتلال داخلها انتفاضة مسلحة في مناطق واسعة من قبل من تصفهم بالأغلبية الصامتة، ما يعني استمرار الصراع على هذه الأرض.
تتزامن هذه التحذيرات الإسرائيلية مع التأكيد أن الفلسطينيين في المناطق المحتلة على شفا انتفاضة شاملة، وفلسطينيو48 يطورون أجندتهم الخاصة التي تشمل الانفصال عن الاحتلال، ما يغذي فكرة الدولة الواحدة التي ستكون مدمرة على الاحتلال من جميع النواحي، لأنها تعني تفككه، والقضاء على مشروعه، وتحلّل الجيش من دوره بصفته قوة حامية للدولة، وتغيير كامل في طبيعة مهامه، فضلا عن تدهور معدلات الكراهية بين اليهود أنفسهم إلى حدّ نشوب الحرب الأهلية.
يحظى مثل هذا الرأي بتزايد لافت بين النخب السياسية والأكاديمية الإسرائيلية، رغم الانزياح اليميني داخل الخارطة الحزبية، لكن دوافعه تتمثل في أنه سيسفر عن تعميم اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، فضلا عن استبدال التوتر الأمني بالهدوء الميداني في الأراضي الفلسطينية، وتبدد الكابوس الإسرائيلي المتمثل بانهيار السلطة الفلسطينية لصالح تصاعد قوة المقاومة، ما سيزيد الوضع سوءًا على الاحتلال، الذي يتوقع أن أي اندلاع للأحداث في الضفة وغزة والقدس، سينتقل إلى فلسطينيي 48، ما يستدعي تحييدهم عن الانخراط في أي مواجهة مستقبلية.
الخلاصة أن أساس التخوفات الإسرائيلية من نشوء الدولة الواحدة يعود لأن الفلسطينيين سيحرمون من الحقوق المدنية الكاملة، أي تطبيق نظام الفصل العنصري، ما سيجعل من الاحتلال منبوذاً في نظر العالم، وقد يدير العديد من يهود العالم ظهرهم له، ما يزيد من الأصوات الإسرائيلية المطالبة بوقف هذا الانزلاق الذي يسير فيه إلى واقع الدولة الواحدة!