فلسطين أون لاين

تقرير التحديث بنعمة الله.. بين الفهم المغلوط وتعدد المقاصد

...
غزة/ ضحى حبيب:

يبالغ كثير من الناس بإظهار الترف والبذخ ونشر صنوف الطعام والشراب والملذات في مواقع التواصل الاجتماعي، أو بإكثار الحديث عن المتع المختلفة مبررين ذلك بأنهم يعملون بقول الله تعالى: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" (الضحى:11) ولا يعلمون أن هذا فهم مغلوط للآية الكريمة وليس ذلك مقصدها. 

ويقول أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأقصى عبد السميع العرابيد: "ليس المراد بالتحديث بنعمة الله في الآية ما نراه اليوم من الإسراف والمبالغة بالطعام والشراب والحفلات وغيرها، وإنما المراد منه شكر الله على نعمه بالحمد والثناء عليه وشكره بالفعل كالإنفاق منها في سبيل الله". 

ويوضح أن ذم فعل المسرفين في تلك المظاهر لا يتعارض مع كون الإسلام يحض على الزينة والتمتع بخير الدنيا ونعم الله تعالى مستدلًا بالآية الكريمة: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (الأعراف:32)، "فالمؤمن مطالب بأن يظهر نعم الله عليه ويتزين ويتمتع بها في الدنيا بحدود المعقول دون إسراف أو تقتير". 

ومن جهته، يذكر أستاذ علوم الحديث بالجامعة الإسلامية رأفت نصار أن الأصل في مسألة الأكل والشرب أن يستتر الإنسان فيها وألا يظهرها، وأن ما يحدث في واقعنا الآن غير داخل في معنى التحديث بنعمة الله، ويقول: "كان التستر وإخفاء الطعام والشراب عن أعين الناس نهج السلف الصالح، حتى أن الإمام الشافعي رحمه الله كان يعد الأكل والشرب في الشارع أو السوق من خوارم المروءة فكيف بمن ينشرها في مواقع التواصل الاجتماعي ليراها المقتدر وغير المقتدر".

ويعدد مضار المبالغة في إظهار تلك الأمور أمام العامة: "إن ذلك يُحزن الفقير ويُشعره بالحسرة أو السخط على حاله، وقد يؤدي إلى زوال النعمة بالحسد، وقد ينشر الحقد والكره بين الناس عندما تمتد أعينهم لما لا يمكنهم الحصول عليه وتوفيره، أو يدفع البعض من ضعاف النفوس أن يحصلوا على الأموال بطرق غير مشروعة كالسرقة وغيرها للوصول إلى المستوى الذي يرونه في مواقع التواصل".  

وجوه متعددة للقصد

أما المفهوم الصحيح للتحديث بنعمة الله المأمور به في الآية، فذكر فيه المفسرون وجوهًا عدة منها قول ابن كثير: "التحديث بنعمة الله يكون بأن يحدث المرء إخوانه بما فتح الله به عليه من الطاعات كأن يقول: صليت كذا واستغفرت الله كذا وقرأت من القرآن كذا، ما لم يتضمن ذلك رياءً بل أن يكون مقصده إظهار فضل الله عليه وتشجيع إخوانه"، أما القرطبي فيفسرها بقوله: "يقصد بها نشر ما أنعم الله به عليك بالشكر والثناء". 

وفسرها بعض السلف الصالح بقولهم: "إن المقصود بالتحديث بنعمة الله ليس تحديث عامة الناس إنما أن يحدث المرء من يثق بهم من إخوانه، وذلك خوفًا من زوال النعمة بالحسد". 

ومن وجوه تفسير الآية أيضًا ما يقوله الشيخ عثمان الخميس: "معناها أن تنسب النعمة لله تعالى وأن تبذلها في سبيله بتزكيتها إن كانت علمًا، أو مالًا بالإنفاق على الفقراء وإطعامهم مما رزقه الله"، وبهذا صح أن يكون التحديث بنعمة الله كناية عن البذل والإنفاق وإعانة المحتاجين. 

وذكر بعض المفسرين أن التحديث بالنعم لا يلزم أن يكون على سبيل التفصيل، بل قد يكون إجمالاً، بأن يقول: إن الله أنعم علىَّ بالصحة والغنى والهداية، ولا يفصل في ذكر هذه النعم.

نعم دينية ودنيوية

وفي تفسير السعدي للآية تتضح الحكمة من أمر الله تعالى بالتحديث بنعمه على العبد، فيقول:"(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) يشمل النعم الدينية والدنيوية؛ أي: أثنِ على الله بها، وخُصها بالذكر، إن كانت هناك مصلحة، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها؛ فإن القلوب مجبولة على محبة المُحسن". 

وعن الحديث: "استعينُوا على إنجاحِ حوائِجِكُمْ بالكتمانِ؛ فإنَّ كلَّ ذي نعمةٍ محسودٌ" يقول نصار: "الحديث موضوع وحكم بعض المحدثين عليه بالضعف لكن معناه صحيح ويؤخذ به للاستئناس". 

 ويضيف: "لا تعارض بين مفهومه وبين الأمر بالتحديث بنعمة الله، فالأولى بالمسلم أن يكتم أمر ذهابه وإيابه وما يخطط له عن الناس ولا يبوح به، فإذا أنعم الله عليه وأتم أمره على خير فيحدث الناس به من باب شكر الله والاعتراف بفضله". 

ويختم بقوله: "يجدر بالمسلم أن يحدث بنعمة العلم والفهم وحفظ القرآن ونحوها، أما نعمة المال فالأحوط ألا يكثر الحديث عنها أمام الناس، مع شكر الله عليها بالتصدق والإنفاق". 

المصدر / فلسطين أون لاين