فلسطين أون لاين

ملايين وملاليم

تقرير الدوري يُكبّد خزان الأندية خسائر باهظة

...
صورة أرشيفية
غزة/وائل الحلبي:

حالة من التناقض الكبيرة أصبحت تعيشها الرياضة الفلسطينية بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص، في ظل التكاليف المالية الباهظة التي تصرفها الأندية سواء في دوري المحترفين بالضفة الغربية أو الدوري الممتاز في غزة، وسط غياب تام لأي مساندة مالية سواء من الجهات الحكومية أو الأهلية.

الأرقام الفلكية التي استمع الجميع إليها في الأيام الماضي وسط نشاط كبير في سوق الانتقالات، جعل الجميع يتساءل هل تستحق مكافأة البطولة كل هذه التكاليف المالية الضخمة مقارنة بالألعاب الرياضية الأخرى والتي تكلف مصاريف أقل بكثير من كرة القدم.

التكاليف المالية الباهظة جعل الأندية في الضفة وغزة تعيش أوضاعاً صعبة في ظل ندرة الموارد المالية وغياب الدعم الحكومي منذ عامين، لتقف بعض هذه الأندية على أبواب الانهيار في ظل منافستها لفرق أخرى دفعت ملايين الشواكل من أجل التتويج بلقب لا تزيد مكافأته المالية عن 10.000 دولار أمريكي.

تناقض مالي

نادي شباب الخليل المتوج بلقب دوري المحترفين في أخر نسختين كان أكثر النادي الأكثر على مستوى فلسطين إنفاقًا للأموال في ظل العقود المالية الضخمة التي أبرمها مع اللاعبين مثل المهاجم تامر صيام والحارس رامي حمادة وغيرهم من اللاعبين، حيث وصلت إحدى عقود اللاعبين مبلغ 120 ألف دولار في الموسم الواحد، وهو رقم ضخم للغاية، وقد يكون تكلفة لفريق واحد على مدار الموسم.

مثقال الجعبري رئيس نادي شباب الخليل استقال من رئاسة النادي مطلع شهر يونيو الماضي بسبب التراكمات الكبيرة التي أصبحت على النادي في ظل المصاريف الكبيرة التي كلفت خزينة النادي خاصة في السنوات الأربعة الماضية، حيث قال الجعبري في مقابلة صحفية أنّ ناديه صرف ما لا يقل عن 3 ملايين شيكل في الموسم الماضي فقط.

الجعبري عاد إلى رئاسة شباب الخليل بعد ضغوط كبيرة من أجل البقاء في منصبه والحفاظ على مسيرة النادي في دوري المحترفين، لكنّ الكثير من الأمور قد تتغير على العميد الخليلي في المرحلة القادمة، خاصة بعد الفشل الكبير في بطولة كأس الاتحاد الآسيوي وعدم تحقيق الفريق لأي نتيجة إيجابية بالرغم من المبالغ المالية التي صُرفت من أجل هذه البطولة.

قبل أن يُقرر النادي قبل بداية الموسم الحالي تعليق مشاركاته في بطولة دوري المحترفين بسبب عدم تلقّيه أيّ مكافأة مالية من اتحاد الكرة نظير تتويجه باللقب في آخر موسمين، إلى جانب عدم حصوله على مستحقاته المالية لدى المجلس الأعلى للشباب والرياضة وسط توالي بيانات النادي، الذي كشف عن تلقيه تهديدات من اتحاد الكرة بتهبيطه للدرجة الأولى، قبل أن يتم احتواء الأزمة بعدما قرر الاتحاد تشكيل لجنة من كوادر نادي شباب الخليل للتوصل لحل للأزمة، ليتراجع النادي عن قرارات تعليق مشاركاته.

في المقابل فإنّ أحد الأندية العريقة في بطولة دوري المحترفين والتي آلت به الظروف للبقاء في الموسم الماضي بالمسابقة بعدما كان على وشك الهبوط وهو مؤسسة البيرة قررت إدارة النادي حل الفريق كاملًا بعد انتهاء الموسم لعدم قدرتها على توفير وسداد رواتب ومستحقات اللاعبين المتراكمة.

على نفس الخطى اتجه الأمعري لاتخاذ نفس الخطوة بعد نهاية الموسم الماضي وحل الفريق وتسريح جميع اللاعبين بلا استثناء، وبالرغم من أنّ الهدف من هذه الخطوة إعادة بناء الفريق إلا أنّ الأزمة المالية كانت هي السبب الرئيسي خلف هذا القرار لتخفيف التكاليف المالية، ليتجه الناديان للتعاقد مع عدد من اللاعبين الجدد من أصحاب الرواتب القليلة لتفادي تكدس التكاليف والديون.

دولارات غزة

حالة التناقض المالي التي تمر بها أندية دوري المحترفين في الضفة لا تختلف كثيرًا عن الوضع في الدوري الممتاز بغزة، حينما تجد فريقًا يُتوج بلقب الدوري وسط تكاليف مالية وصلت إلى 150 ألف دولار طوال الموسم ليصطدم بمكافأة مالية لم تزيد عن 10 آلاف دولار، في نفس المسابقة تجد فريقًا تراكمت عليها الديون بآلاف الدولارات دون أن يتمكن من صرف رواتب ومستحقات اللاعبين المتراكمة منذ أشهر حتى مع قرب انطلاق الموسم الجديد.

الأزمة الأكبر أن الأندية التي تتكلف مصاريفها آلاف الدولارات تقف في الكثير من الأحيان عاجزة عن سداد جزء قليل من مستحقات اللاعبين لولا وجود رجال أعمال مقربين من هذه الأندية تسهم في التخفيف عنها، إلا أنه في حال غاب هؤلاء المساهمون فإن النادي سيعيش غرقاً في وحل الديون.

شباب رفح الحاصل على لقب الدوري في غزة لموسمين متتاليين لا يختلف واقعه عن بقية الأندية من الأزمة المالية، لكن النادي وجد من حوله من يساهمون في توفير جزء من رواتب لاعبيه أو تولي مهمة التعاقد مع لاعبين جدد ودفع مقدم العقود لهم.

نفس الأمر ينطبق على اتحاد الشجاعية الذي حافظ على تواجده منافساً قوياً لشباب رفح في الموسمين الماضيين على لقب الدوري، وضع النادي ميزانية لا تقل عن 100 ألف دولار لتغطية احتياجاته في الموسم المنصرم وتوفير رواتب اللاعبين، إلا أن التوفيق لم يحالفه في التتويج باللقب وحل الفريق وصيفاً دون أن يتلقى حتى مكافأة رمزية عن ما قدمه من نتائج وعروض مبهرة طوال الموسم، ليقنن من تلك التكاليف بالتعاقد مع عدد قليل من اللاعبين.

شباب جباليا لا يختلف حاله عن شباب رفح والشجاعية وهو الأخر تجاوزت ميزانيته حاجز الـ100 ألف دولار في الموسم الماضي، ليجد نفسه مهدداً بالهبوط لدوري الدرجة الأولى قبل أن يتم انقاذ الموقف في الجولة الأخيرة والتعادل امام الأهلي الذي غادر المسابقة.

الأهلي صاحب أول لقب للدوري الممتاز في غزة عانى الأمرين في السنوات العشر الأخيرة من هبوط وصعود من وإلى الدوري الممتاز، لكن كل هذه الأزمات كانت خلفها الظروف المالية الصعبة التي يعيشها النادي بعدما أصبحت رواتب اللاعبين عبء على مجلس إدارة النادي وأصبح غير قادر على توفيره لدرجة أنّ اللاعبين أصبحوا يحضرون للمباريات فقط دون خوض أيّ تدريبات لعدم توفر مواصلات انتقالاتهم.

غياب الدعم الحكومي

خلال السنوات الماضية قدمت السلطة الفلسطينية دعمًا ماليًّا للأندية في الضفة الغربية وغزة من خلال المجلس الأعلى للشباب والرياضة، لكنّ هذا الدعم لم يستمر طويلًا واقتصر على ثلاثة أعوام فقط قبل أن يتوقف بسبب الأزمات المالية للسلطة.

وعلى الرغم أنّ المبالغ المالية التي وصلت الأندية في غزة خاصة لم تكن تغطي ربع احتياجاتها إلا أنها كانت تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للأندية من أجل تسديد جزء من التزاماتها المالية، حتى أصبح مصطلح "منحة الرئيس" متداولًا في الأوساط الرياضية وكلمة يتم استخدامها عند الاتفاق مع اللاعبين لإقناعهم بقبول المبلغ المعروض على أن يتم استكماله أو توفيره فور تلقي الدعم من السلطة.

حاول السيد عبد السلام هنية الأمين العام للمجلس الأعلى للشباب والرياضة المساهمة في تخفيف أزمات الأندية من خلال الدعم الحكومي الذي قدمه على مدار العامين الماضيين، لكلّ الأندية سواء في الدرجة الممتازة والأولى والثانية وحتى الثالثة كان لها نصيب من الدعم الرمزي المقدم، لكنّ هذه المبالغ لم تغطي حاجة الأندية والتزاماتها الكثيرة والمتراكمة.

ومع قرب انطلاق بطولة الدوري بمختلف درجاته في غزة تقف العديد من الأندية عاجزة عن توفير مستحقات لاعبيها في ظل عدم تلقيهم أيّ دفعات مالية قبل انطلاق الدوري الذي سيبدأ كما بدأ غيره في المواسم الماضية في انتظار تنفيذ الوعود المتكررة حول صرف منحة المجلس الأعلى للشباب والرياضة والحصول على جزء من قيمة الرعاية لبطولة الدوري الممتاز التي تحصل عليها الأندية في الموسمين الفائتين.