إعلان جيش الاحتلال استخدام "الطائرات المسيرة" في الضفة الغربية للمرة الأولى؛ يرجع بذاكرة الشعب الفلسطيني إلى الوراء عشرين عاماً في أثناء انتفاضة الأقصى ـ حين كان قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، في ذلك الوقت تنامت المقاومة، وتصاعد فعلها، وصار اقتحام جيش الاحتلال للمدن في قطاع غزة مكلفاً، وقتها لجأ العدو الإسرائيلي إلى الطائرات المسيرة، التي صارت تغتال المقاومين.
في تلك الفترة من عمر المقاومة، أدرك الشباب أهمية التخفي، والتحرك بحذر، وأدركوا أن الهاتف المحمول هو العميل الذي يشي عن أماكن تواجدهم، فتخلصوا منه، بل لجأ شباب المقاومة في تلك الفترة إلى تغطية بعض الممرات الفاصلة بين الشوارع بالقماش، كي يتخفى المقاوم من عيون الطائرات المسيرة، والتي كان اسمها في ذلك الوقت "الزنانة".
لجوء العدو الإسرائيلي إلى الطائرات المسيرة لا يهدف إلى اعتقال المقاومين كما يزعم الإعلام الإسرائيلي، فالطائرات المسيرة لا تعتقل أحداً، الطائرات المسيرة تغتال، وتقتل، وتفجر، وهذا العمل الإرهابي سيتم تنفيذه تحت إشراف قائد فرقة الضفة الغربية، وقائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، وكلاهما تدرب على تحريك الطائرات المسيرة، وتوظيفها كما جاء في الإعلام الإسرائيلي.
استخدام الطائرات المسيرة لاغتيال المقاومين الفلسطينيين يعكس خمس حقائق ميدانية:
الأولى: أن المقاومة في الضفة الغربية أضحت وازنة وفاعلة، وأعجزت العدو الإسرائيلي عن ملاحقتها وتصفيتها.
الثانية: أن المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية لم تعد فعل شباب يرفضون الاحتلال، وإنما صارت المقاومة فعلاً جماهيراً، يلتف حوله كل الشعب الفلسطيني، الذي يمثل الحاضنة الحنونة للمقاومة.
الثالث: أن المقاومة فعل جماهيري، توافقت عليه كل التنظيمات الفلسطينية، وهي تجسد وحدة الشعب الفلسطيني الميدانية، وانتهاء الانقسام الذي عشعش في خيال طلاب المناصب والمكاسب.
الرابع: أن جيش الاحتلال لم يعد قادراً على اقتحام مدن الضفة الغربية والخروج منها سالماً، كما جرت العادة على مدار ثلاثين سنة، فقد استعان جيش الاحتلال بآلاف الجنود، ومئات العربات المجنزرة، لهدم منزل واحد، يعود لوالد الشهيد رعد حازم.
الخامس: أن القيادة الإسرائيلية مرتبكة في قراراتها، ولا تمتلك أفقاً سياسياً لحل القضية الفلسطينية، لذلك ستتبع القيادة الإسرائيلية نهجين في تعاملها مع ثورة الضفة الغربية:
النهج الأول: ملاحقة المطاردين بالطائرات المسيرة واغتيالهم داخل غرف نومهم، ووسط التجمعات السكنية، وفي الوقت نفسه بث الرعب في قلب الحاضنة الشعبية التي تشكل السند المعنوي والمادي لشباب المقاومة.
النهج الثاني: تقوية السلطة الفلسطينية لتقوم بدورها في التنسيق والتعاون الأمني، وهذا هو الشكل الأخطر على القضية الفلسطينية بشكل عام، وعلى ثورة الضفة الغربية بشكل خاص، لذلك سيجتمع رئيس الوزراء مع قادة أجهزة أمن الاحتلال اليوم الخميس، لاتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مساعدة السلطة الفلسطينية، وتعزيز قوتها.
فهل ستنجح القيادة الإسرائيلية في حركتها الالتفافية على ثورة الضفة الغربية؟ وهل ستقع السلطة فريسة للإغراءات المالية، والعروض الإسرائيلية؟
تقديري أن المعطيات الجديدة على أرض الضفة الغربية تشير إلى أن الشعب الفلسطيني يسير على طريق الحرية، ولن تقف في وجهه آلة القمع الإسرائيلية، ولا خوف على شعب شق طريقه بالتضحيات إلا من حركة سياسية التفافية، وهذا ما ستقوم به أمريكا، أو الاتحاد الأوربي في القريب العاجل، لتجد قيادة منظمة التحرير فرصتها للعودة إلى الحياة، وركوب ظهر العمل الميداني، وهذا ما يجب أن يتنبه له شباب المقاومة، وأن يأخذوا حذرهم، فالمناورات السياسية أخطر على مستقبل القضية الفلسطينية من الطائرات المسيرة.