سبعة عشر عاما مرت منذ أن غادر آخر جندي إسرائيلي أرض قطاع غزة، إلى غير رجعة، وسط زيادة القناعات الإسرائيلية التي تفيد بأن هذا الانسحاب شكّل خطأ فادحا استفادت منه المقاومة الفلسطينية، ومنحها توازنا من الرعب لصالحها، وزاد من تكثيفها العسكري، وفشل كليا في تحقيق الأهداف المرسومة له من وجهة النظر الإسرائيلية.
اليوم، وبعد مرور سبعة عشر عاما على هذا القرار التاريخي، تبين أن دولة الاحتلال كم كانت مخطئة، حين اعتقدت أن القرار سيسهم في تحسين الواقع الأمني للإسرائيليين، أو أنه سيفيد الاحتلال سياسيا واقتصاديا وديموغرافيا وأمنيا، ويخفف احتكاكه مع الفلسطينيين، ويعفيه من المسؤولية التي أنيطت بها لمتابعة شئونهم.
مع العلم أنه رغم مرور هذه المدة الطويلة على الانسحاب من غزة، فلا يزال جدل إسرائيلي حول ضرورة هذه الخطوة، أم أنها خطأ جسيم منح المقاومة قدرة على إصابة الردع الإسرائيلي بضربة مقتل، لكن ذلك يتزامن مع اعتقاد جزء كبير من الإسرائيليين أنه كان من الخطأ البقاء داخل قطاع غزة.
بالعودة سبعة عشر عاما إلى الوراء، وفي الشهور التي سبقت قرار الانسحاب من غزة، فقد عاش كاتب السطور سلسلة الهجمات الفلسطينية الصعبة التي استهدفت قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه في طرق غزة ومفترقاتها، ولا سيما ظاهرة تفجير الدبابات بعبوات كبيرة، وما قيل يومها عن "كارثة المدرعة" التي بقيت صورتها محفورة في الوعي الإسرائيلي حتى اللحظة، حين انتشرت أشلاء الجنود بكل مكان نتيجة كثافة الانفجار.
أذكر يومها أن الجنود الإسرائيليين ظهروا وهم يركعون، ويبحثون عن أجزاء من أجساد رفاقهم تحت نيران المقاومين الفلسطينيين، وهي الصورة التي تركت أثرا كبيرا في الجمهور الإسرائيلي، لكن الانسحاب الذي جاء في بعض أجزائه هروبا من هذا الواقع الصعب على الاحتلال، لم يحقق المرجو منه، بل على عكس ما حصل فعلا، فقد جلبت تلك الخطوة عدة عدوانات شنها الاحتلال على غزة، وما أسفرت عنه من ضغوط دولية شديدة على الاحتلال.
في الوقت ذاته، فإن المؤيدين الإسرائيليين للانسحاب من غزة ما زالوا بعد مرور كل هذه المدة يعتقدون أنها خطوة ضرورية بدافع الضرورة، فالبقاء في غوش قطيف أدّى لإيذاء الجنود والمستوطنين، لكن فك الارتباط أدى لواقع أمني معقد، ومنذ الانسحاب من غزة، تكثفت المقاومة عسكريا، وتحولت إلى "جيش مسلح".
الخلاصة الإسرائيلية أن الواقع الأمني والعسكري القائم في غزة بعد 17 عاما على الانسحاب منها، تعني أن المقاومة نجحت في خلق نوع من الردع المتبادل أمام جيش الاحتلال، وفي النهاية فإنه لم يحقق أهداف خطة فك الارتباط، بل ربما خسر المناطق التي انسحب منها في غزة، هذه هي الخلاصة، وليس سواها!