عاش قطاع غزَّة ردحاً من الزَّمن تحت نير الاحتلال في إثر هزيمة ١٩٦٧ تخلَّلها عمليَّات وحشيَّة من طرف الصَّهاينة من قتل وسجن وإبعاد وهدم بيوت ومنع للتَّجوال ومحاولة إفساد الشَّباب وتجنيد عدد منهم عملاء بطرق متعدِّدة منها الابتزاز بإيقاع الشَّباب في مستنقع العهر والمخدِّرات وتجنيد المومسات المصابات بالإيدز ونشر الأفلام الإباحيَّة داخل القطاع وتوزيع الخمور على العُمَّال مجَّاناً تحت مسمَّى عيد العُمَّال... إلخ من أساليب بهدف إفساد الأجيال.
لقد أدرك الشَّيخ أحمد ياسين رحمه الله ببصيرته النَّافذة وفطنته وخبرته خُططَ الصَّهاينة وفسادهم ومكرهم فواجه ذلك بخطط شاملة ومتكاملة لمجابهة ذلك فعمل مع مجموعةٍ من قادة العمل الإسلاميِّ في القطاع على إعداد جيلٍ جهاديٍّ يتربَّى على مائدة القرآن يؤمن بإحدى الحُسنيين إمَّا النَّصر وإما الشَّهادة.
العمل على توفير محاضن تربويَّة من خلال المساجد، والمجمع الإسلاميّ، وجمعيَّات الإصلاح.
التَّركيز على بناء الإنسان وفق عقيدة راسخة وذلك من خلال الخُطب والدُّروس والمحاضرات ومعسكرات الشَّباب.
توعية الشَّباب وتسليحهم بسلاح العلم والمعرفة، وذلك بإنشاء مكتبات وتوفير الشَّريط الإسلاميِّ وابتعاث بعض الطُّلَّاب للجامعات.
العمل على توفير البديل الإسلاميِّ للأناشيد والأفراح واللِّباس الشرعيِّ للإناث.
جمع التَّبرُّعات لأُسر الشُّهداء والمسجونين.
الاهتمام بالرِّياضة للشَّباب وذلك بعملٍ دوريٍّ رياضيٍّ بين المساجد.
تنظيم رحلات دوريَّة للشَّباب لسائر مُدن فلسطين للتَّعرُّف على معالمها إضافةً إلى رحلات للصَّلاة في المسجد الأقصى.
مدُّ جسور المعرفة والتَّرابط بين القطاع والضّفة وأهالي فلسطين المحتلَّة عام ٤٨.
إنشاء لجان إصلاح اجتماعيٍّ في كل أنحاء القِطاع.
إنشاء مراكز لتأهيل الفتيات للقيام بأعمال منزليَّة.
عندما أصبح للشَّيخ رحمه الله حاضنة شعبيَّة قام مع إخوانه بتشكيل حركة المقاومة الإسلاميَّة (حماس) عام ١٩٨٧ من أجل مُقارعة اليهود.
وكان للتَّنظيم دور بارز في الانتفاضة الفلسطينيَّة التي اندلعت في ذلك العام واشتهرت بانتفاضة المساجد التي أدَّت إلى قتل بعض الجنود وتصفية بعض العملاء.
كان الشَّيخ رحمه الله يؤمن أنَّ الخلاص من اليهود لا يتمُّ إلا بالمقاومة.
وكان يُدرك واقع اختلال الموازين مع العدوّ، لهذا قال: (عندما تختلُّ موازين الصِّراع لا بدَّ من وجود العمل العسكريِّ الذي يضرُّ بمصالح العدوِّ ويجعله يركع).
وبعد تأسيسه الجناح العسكريَّ لتنظيم حماس وقيام ذلك التَّنظيم بعدَّة عمليَّات تمَّ اعتقال الشيخ عدَّة مرَّات وكذلك تمَّت محاولة اغتياله حتى تمَّ ذلك في شهر مارس عام ٢٠٠٤م.
وبعد استشهاده رحمه الله ومع مرور الوقت قام تلاميذ الشَّيخ بتطوير آلة الحرب لديهم حتَّى أصبحوا شوكةً في حلق اليهود وسبَّبوا الرُّعب والخوف للصَّهاينة ولا سيما ممَّن يقطنون بغلاف غزة.
ساورَ القلق والرُّعب نفوس الصَّهاينة من تزايد قوَّة حماس ولا سيما مع امتداد تنظيمها لسائر المُدن الفلسطينيَّة، فشنُّوا عدَّة حروب عليها من أجل التَّخلُّص منها وحاصروا القِطاع، وبالرَّغم من كلِّ ذلك فقد صمدت حماس مع سائر الفصائل الأخرى صمودَ الأبطال الأفذاذ، فلم تلِن لهم عزيمة ولم تفتر لهم إرادة ولم تسقط لهم راية.
فقد انتفضوا من البداية ضدَّ الاحتلال الغاشم رغم سياسة تكسير العظام التي انتهجها الهالك إسحاق رابين، وعندما فشل في إخماد جذوة المقاومة تمنَّى أن يصحوَ من نومه في يوم من الأيام ويرى البحر وقد ابتلع قطاع غزة ومن عليه.
هكذا كانت أمنية الهالك رابين، لكن خاب ظنُّه فقد كانت النَّتيجة تحقيق جزء من طموحات الشَّيخ رحمه الله، حيث انسحب اليهود في عهد الهالك شارون من القطاع وهم يجرُّون ذيل الهزيمة والخِزي والعار بسبب زيادة المقاومة وضراوتها وبسبب الكلفة الباهظة للاحتلال.
وهكذا وبعد مرور ما يقارب عقدين على استشهاد الشَّيخ رحمه الله، فإنَّ حماس وسائر فصائل المقاومة معها تقف شوكةً في حلق العدوِّ ويحسب لها ألف حساب.
وتبقى جذوة المقاومة مصدر قلق ورعب للمستوطنات ولكل اليهود حتَّى يأذن الله بتضافر الأمَّة الإسلاميَّة لتحرير فلسطين كلّ فلسطين بإذن الله، فقضيَّة فلسطين قضيَّة الأمَّة الإسلاميَّة بأسرها وواجب تحريرها يقع على عاتقها، فهي أرض الأنبياء ومسرى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأُولى القبلتين وفيها المسجد الأقصى الذي تُشدُّ إليه الرِّحال.
ووعدُ الله سيتحقَّق بإذن اللَّه ليسوء وجوه اليهود وينهزموا شرَّ هزيمة وفق بشارة سورة الإسراء ويتحقَّق طموح الشَّيخ رحمه الله وإخوانه وتلاميذه وكلّ مسلم ويخيب ظنُّ اليهود المعتدين ومن والاهم.
وما ذلك على الله بعزيز.