فلسطين أون لاين

تقرير في تجمع أبو النوار البدوي.. كل الحلول مرفوضة إلا العودة

...
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

في كل يومٍ يذهب فيه "أبو إبراهيم" لعمله خارجًا من "تجمع أبو نوار البدوي" إلى الداخل المحتل يظل عقله مشغولًا، خشية أنْ يأتيه خبر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منزله، فهو لا يأمن غدرهم رغم استصداره قرارًا قضائيًّا بوقف الهدم.

"أبو إبراهيم" الذي رفض البوح باسمه كاملًا خشية أن يفقد عمله بالداخل المحتل تسلم خلال تموز (يوليو) الماضي قرارًا بهدم منزله، الذي يقيم فيه منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وذنبه الوحيد أنه وسعه بعد أنْ كانت مساحته ستة وخمسين مترًا مربعًا، لتصبح تسعين مترًا مربعًا.

لجأ "أبو إبراهيم" إلى التوسعة بعد أن ضاق المنزل على ساكنيه؛ فهو متزوج امرأتيْن ولديه من الأبناء أحد عشر، يقول: "مَنْ يسمع بكلمة بيت يعتقد أنه منزل بمعنى الكلمة، المنزل هو (بركس) مسقوف بالخشب، ولكن حتى هذا النوع من البناء ترفضه (إسرائيل)".

وكالعادة في تلك الحالات توجه "أبو إبراهيم" فورًا إلى قضاء الاحتلال الإسرائيلي، واستصدر قرارًا بوقف الهدم، لكنه لا يأمن لهم جانبًا، فقد حدث في سنوات سابقة مع جيرانه في التجمع أن فوجئوا بهدم الاحتلال بيوتهم رغم استصدارهم أوامر بوقف الهدم.

ومع خروجه في صباح كل يوم إلى عمله في الأراضي المحتلة يبقى باله مشغولًا بعائلته من خلفه، يخشى أن تأتي قوات الاحتلال وترعبهم وتهدم المنزل على ما فيه دون أن يكون معهم، يضيف: "فأوامر وقف الهدم التي يصدرها الاحتلال هي مجرد مسكنات، لا نثق بها، قد تفاجأ بهم في أي وقت وقد حولوا المنطقة إلى ثكنة عسكرية ومنعوا المواطنين من التحرك".

الحياة البدائية

ويتابع: "هم يتقصدون غالبًا الهدم في الشتاء حتى تكون معاناة المهدومة منازلهم أشد، في البرد القارس، وفي هذه المنطقة النائية التي لا يوجد فيها أي نوع من الخدمات، فحياتنا أساسًا صعبة وهم يزيدونها صعوبة".

فالحياة في التجمع يراقبها الاحتلال دوريًّا بطائراته المسيرة التي ترصد كل جديد بالمكان، "لا يكتفون بالحياة البدائية التي نعيشها، بل يضيقون علينا الخناق أكثر فأكثر، يريدون أن يرحلونا من المكان" والحديث لأبو إبراهيم.

لعنة الاستيطان

وعن معاناة أهالي تجمع "أبو نوار" يقول الناطق باسم التجمعات البدوية المهددة بالهدم في الضفة الغربية داود الجهالين أبو عماد: "التجمع يقع شرق بلدة العيزرية، على مساحة 500 دونم من أراضي قرية أبو ديس، بعد أن هجروا عام 48م من "تل عراد" في بئر السبع".

والتجمع محاط من جهاته الأربع بالمستوطنات: "معاليه أدوميم" شمالًا، و"كيدار 1" جنوبًا، و"كيدار 2 شرقًا"، ومعسكر لجيش الاحتلال من الجنوب، يضيف الجهالين: "منذ عام 2009م يحاولون ترحيل المواطنين من التجمع لبناء الحي الجنوبي من مخطط (E1) الاستيطاني بواقع 1500 وحدة سكنية".

ففي عام 2005م تسلم المواطنون إنذارات بهدم جميع المنشآت السكنية والزراعية في التجمع، وبعد التحرك لدى قضاء الاحتلال استطاعوا استصدار أوامر احترازية بوقف الهدم، ومع ذلك الاحتلال نفذ 54 عملية هدم منذ ذلك التاريخ.

يتابع: "هدموا مدرسة التجمع خمس مرات خلال عامين، وصادروا الخلايا الشمسية وخزانات المياه منها ومن المركز الاجتماعي للقرية، ولم يكتفوا بذلك بل صادروا كل الأراضي شرق التجمع، وأنشؤوا طريقًا التفافيًّا؛ فحرموا أهله المساحات الرعوية حيث كانوا يعتاشون على رعي الأغنام".

وبعد أن كان أهل التجمع يمتلكون 30 ألف رأس من الماشية أصبح لديهم ثلاثة آلاف فقط، وتركوا الرعي وأصبحوا يعملون عمالًا في الداخل المحتل أو الضفة الغربية، لذلك يخشون الخروج للإعلام للحديث عن معاناتهم، خشية منعهم من العمل في الداخل؛ فيفقدون منازلهم ومصدر رزقهم في آن واحد.

ولا تترك قوات الاحتلال أهل التجمع وشأنهم، بل إنها تطلق طائراتها المسيرة مرة في الأسبوع لرصد أي تحركات أو تطورات، "فقامت قبل شهر من الآن بتسليم أربعة إخطارات بالهدم لمواطنين، لأنهم قاموا بتوسعة أو تجديد في بيوتهم المبنية منذ عشرات السنوات" يقول الجهالين.

مساومة

ويمنع الاحتلال –وفقًا لحديثه- أيضًا تواصل مواطني التجمع مع القرى المقدسية من حولهم ويحرمهم الكهرباء أو الماء، ما اضطرهم إلى مد كهرباء بشكل غير قانوني، ما يعرضهم وأطفالهم للخطر، إذ احترقت ستة بيوت قبل ذلك.

ولا يستطيع أهل التجمع الخروج من المكان دون المرور بمعسكر الجيش القريب منهم، وقد يمرون أحيانًا بحواجز طيارة تمنع تحركهم، وتفرض مخالفات باهظة بسبب أو دون سبب على السائقين.

وسبق أن عرض الاحتلال على أهالي التجمع أراضي بديلة، لكنهم يرفضون ذلك قطعًا ولا يريدون تكرار سيناريو النكبة عام 48م، مهما كلفهم ذلك من ثمن، فيفضلون العيش في "البركسات" على الرحيل، "لقد كان ردهم الوحيد أنهم لن يرحلوا إلا إلى أراضيهم في بئر السبع المحتلة دون ذلك فأي حلول مرفوضة" والحديث للجهالين.

يشار إلى أن الاحتلال يسعى منذ سنوات إلى تفريغ منطقة شرقي القدس من التجمعات البدوية، من أجل إفساح المجال للتمدد الاستيطاني ونشر المستوطنات في المنطقة، لتصبح المنطقة الشرقية من الضفة الغربية منطقة استيطانية بالكامل.