فلسطين أون لاين

هربًا من ملاحقة الاحتلال وإطلاق النار 

تقرير النقل السياحي.. بدائل للصيادين لتوفير لقمة العيش

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

الواحدة والنصف ظهرًا، في حوض ميناء غزة، يتأرجح المركب في مياه المرفأ الساكنة وكأنه يأخذ غفوة بعد يوم عملٍ "جيد جدًا" بالنسبة لأصحابه، إذ قام المركب بخمس وعشرين جولةً سياحيةً الجمعة الماضية للمصطافين، يبلغ ثمن الجولة الواحدة 20 شيقلاً.

بين عشرات مراكب الصيد، يصطف مركب مسعد بكر السياحي في حوض مرفأ الصيادين، يجذبك شكله الذي يحاكي شكل اليخت السياحي مع اختلاف الحجم وجودة التصميم كما يجذب المصطافين، فيتسابقون لأخذ صور هاتفية على متنه، أو ركوبه في جولة سياحية داخل الحوض أو خارجه.

يمكنك تمييز شكله والوصول إليه بسهولة فلونه الأبيض وسقفه القريب من هيكله، وزجاج نوافذه بلونها الأسمر على شكل عين الأسماك الواسعة يميزه عن غيره من عشرات المراكب التي يصطف بجانبها.

يتكون من غرفة تحكم في الأمام وفي الخلف صفا مقاعد تتسع لنحو أربعة عشر راكبًا تعلو سقفه قطعة قماشية لحماية الركاب من حرارة الشمس، ويبلغ طوله 9 أمتار، ويحيط به إطار حماية من الألمونيوم.

انتظار ركاب

على كرسي بلاستيكي وتحت ظلال معرش تتسلل أشعة الشمس من بين فتحاته الخشبية، يجلس بكر منتظرًا أي وافد جديد يفتتح به يومه ويحرك المركب السياحي من سباته، سرعان ما نهضَ مسرعًا مرحبًا بشابين نزلا عن درجات ناريةٍ: "أهلا وسهلاً.. يا هلا!"، كان الفرح يقفز من ملامحه وهو يستقبلهم، لكنهما طلبا إذنه بالتقاط صورة هاتفية في داخل المركب، أومأ برأسه مشيرًا بيده لهما بالتفضل بدخوله.

دفعت إجراءات الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته بحق الصيادين بكر إلى ترك العمل بصيد الأسماك وحوَّل مركبه للعمل السياحي بهذا التصميم الفريد عن باقي المراكب، يقص شريط حكايته وهو يتأمل المركب لصحيفة "فلسطين": "قمت بصناعته بنفسي عام 2017 وأخذت التصميم عن شكل يخت كبير، لكن لعدم توفر الإمكانيات صنعته بهذا الشكل البسيط، ومنذ ذاك الحين هناك إقبال عليه، ولكن الإقبال السياحي تراجع هذا العام".

ربما لا يوفر المركب في العمل السياحي دخلاً كبيرًا لكن بكر يقول "العائد مرضٍ بالنسبة لنا، فالوقود يكون تحت يدك إن كان هناك طلب، فإنك تحرك المركب وتتقاسم الأجرة بينك وبين المركب، وهكذا تعيش، ويكون المركب أمامك وبعيدا عن قوات الاحتلال، أما في البحر فأنت لا تعرف إن كان الاحتلال سيصادر المركب أم لا".

"والواحد الله يعلم بكون محوش قرشين ومتداين عشان يصرف على أولاده، فلو اليهود (الاحتلال) صادروا المركب وين يروح!؟ يتساءل بعفوية معبرا عن صعوبة القرار الذي اتخذه وقناعته به، مشيرًا إلى أن هناك 8 مراكب تعمل بالنقل السياحي في حوض الميناء، وخمسة مراكب بشمال غزة، ومثلها في وسط وجنوب القطاع.

انتظار طويل

خارج حوض الميناء باتجاه الشمال، بالقرب من المطاعم والكفتريات السياحية، يصطف مركب يعود لخضر بكر، وهو عبارة عن مركب صيد (لنش) لكن مع بعض الإضافات التي تعطيه تمييزا بسيطًا في شكله الأزرق عن مراكب الصيد، برسومات لسرب أسماك أسفل مقدمته، ومعرش من القماش يتوسط منتصفه وتغطي مقاعده، وتعلوها أعلام فلسطين، ويتوسط القطعة القماشية اسم المركب اللافت "ست الكل".

ينتظر الفتى إبراهيم بكر، وهو يجلس أسفل مظلة على رمال شاطئ البحر أي زائر يرغب بركوب القارب والدخول في البحر، وإن كان الموعد المفضل لديه هو بعد العصر حيث تزداد أعداد المصطافين على شاطئ البحر.

"أحيانا أعود لعائلتي بعشرين شيقلا في اليوم وأحيانا أقل حسب حجم إقبال المصطافين عليه" قال الفتى عن عمله هنا.

يلسع شقاء العمل تحت عين الشمس وجه خضر بكر (30 عامًا) الذي حوله إلى اللون الداكن، لكن هذا الأمر ليس مهمًا له، فهو الابن الذكر الوحيد للعائلة التي تنتظره آخر النهار ليعود بما رزقه به الله.

يوما الخميس والجمعة هما أفضل الأيام بالنسبة لخضر، ففيهما تكون حركة المصطافين كبيرة على بحر غزة، مما يزيد من دخل البائعين على شاطئ البحر، ويناله نصيب من ذلك، فيبلغ متوسط دخله في هذين اليومين نحو 300 شيقل، "الحمد لله وين في رزقة برمي حالي".

موضوع المراكب السياحية حسب منسق لجان العمل الزراعي زكريا بكر ليس جديدًا، لكن في ظل انعدام المراكب السياحية، لجأ عدد من الصيادين للعمل بمهنة بديلة أو موازية لمهنة الصيد، وفي السنوات الأخيرة اتجه صيادون للسياحة في ظل انعدام الأفق وتواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقهم.

يقول بكر لصحيفة "فلسطين": إن "العمل في النقل السياحي يؤمن مصدر دخل للصياد"، مشيرًا إلى أن أعداد العاملين في هذا المسار بين المحافظات، يقدر بنحو 50 صيادًا، وأحيانا ينخفض العدد، وهذا مرتبط بحركة المصطافين، ومتطلبات التأمين والترخيص من أدوات سلامة وسترات.

وتشير إحصاءات مؤسسات مختصة إلى أن سلطات الاحتلال ارتكبت منذ بداية العام الجاري أكثر من 120 انتهاكا بحق الصيادين؛ فاعتقلت حتى مطلع يونيو/حزيران الماضي 39 صيادا، من بينهم أطفال، وأصابت أكثر من 15 صيادا بجروح متفاوتة، ودمرت وصادرت مراكب ومعدات صيد.

من أبرز الانتهاكات الإسرائيلية التي دفعت الصيادين للعمل بالنقل السياحي، حسب بكر، تصاعد عمليات الملاحقة وإطلاق النار من قبل قوات الاحتلال بشكل شبه يومي بهدف تفريغ البحر منهم، وتدمير مراكبهم ومنع إدخال معداتهم ووقف تسويق الصيد للضفة الغربية.