على الرغم من التوتر في الجبهة الشمالية بين العدو الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، وانشغال العدو بمتابعة تطورات الاتفاق النووي الإيراني، فإن تصاعد المقاومة في ساحة الضفة الغربية المحتلة، والخشية من أن تتحول إلى انتفاضة شاملة، باتا هاجساً يؤرّق العدوّ، في مستوياته العسكرية والأمنية والسياسية.
سجّلت أحداث المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة ارتفاعاً ملحوظاً منذ بداية عام 2022. ودلّلت الأرقام والإحصاءات على ارتفاع قياسي في عمليات المقاومة، في أشكالها المتعدّدة، ولا سيّما عمليات إطلاق النار على قوات العدو التي تقتحم المدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة المحتلة، والتي زادت على 60 عملية منذ بداية العام الحالي حتى منتصف آب/أغسطس 2022، إضافة إلى 220 عملية يدّعي العدو إحباطها، وذلك بحسب مصادر العدو، التي أشارت إلى أن هذا العدد فاق عدد العمليات خلال عام 2020.
يعتقد العدوّ أنه دخل في أتون موجة عمليات إطلاق نار وطعن منذ شهر آذار/مارس من العام الحالي، والتي أعقبت العمليات الفدائية داخل فلسطين المحتلة. وبعدها كثّف عمليات العدوان والاجتياحات والاعتقال في الضفة الغربية المحتلة، ولا سيما في شماليّ الضفة، وتحديداً منطقتي جنين ونابلس.
يصف العدو المقاتلين بأنهم أكثر شجاعة وجرأة على مواجهة قواته، وبأنهم يقاتلون حتى آخر طلقة، ويرفضون الاستسلام، ولا يهابون الموت، ويتنافسون في إيذائه وإصابته وتنفيذ العمليات الفدائية، وليس لديهم تعصّب تنظيميّ، ويتمسكون أكثر بالوازع الوطني، ويتلقّون الدعم من تنظيمات متعددة، وربما من إيران وحزب الله اللبناني، ويأخذون التوجيهات والدعم و"التحريض" من حركة حماس في غزة ومن الخارج، في ضوء تكرار محاولات تهريب السلاح من الخارج.
ويعلق الكاتب الصهيوني، آفي يسخروف، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، على الظاهرة الجديدة في الضفة المحتلة، بالقول إنه على الرغم من المحاولة الإسرائيلية دفن الرأس في الرمال في كل ما يتعلق بالساحة الفلسطينية، ابتداءً من عام 2009، حتى اليوم، فإن الميدان يرفض ذلك بحزم، ويقول إن "حلم الاحتلال "ديلوكس"، مع امتيازات اقتصادية للجمهور في الضفة تدفع الفلسطينيين إلى أن يعيشوا بسلام في ظلّ الواقع الحالي، يبدو الآن كأضغاث أحلام".
يقدّر العدو أن من أسباب تصاعد المقاومة في الضفة المحتلة، ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وتراجع مكانة السلطة لدى الشبّان الفلسطينيّين، الذين يرى قطاع عريض منهم أنها تحولت إلى وكيل أمني للاحتلال، وباتت فاقدة للشرعية، وطنياً وشعبياً. وعلى الرغم من تحسّن الواقع المعيشي في الضفة، فإنه لم يساهم في إجهاض مساعي الجيل الفلسطيني الجديد لنيل الحرية والانعتاق من الاحتلال، والذي يرى أن الوسيلة الوحيدة لذلك هي المقاومة.
يرجّح قادة العدو في جيش الاحتلال و"الشاباك" والحكومة، أن الضفة المحتلة تتجه إلى مزيد من المواجهة والتصعيد، وأن "المزايا" الاقتصادية، التي تلجأ حكومة لابيد/غانتس/بينيت إلى تقديمها إلى السلطة الفلسطينية، لن تنجح في إحباط حالة المقاومة في الضفة المحتلة. ويخشى العدو أن تشتدّ المقاومة فيها بصورة أكبر في الأيام والأشهر المقبلة، تزامناً مع مناسبات الأعياد اليهودية، وعزم قطعان المستوطنين تنظيمَ مزيد من الاقتحامات وتدنيس باحات المسجد الأقصى، في أيلول/سبتمبر الحالي وتشرين الأول/أكتوبر المقبل.
كما يخشى العدو انتقال التصعيد والمواجهة إلى الداخل الفلسطيني المحتل قبل انتخابات العدو في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، ولا يَستبعد سيناريو التدحرج نحو مواجهة عسكرية في مختلف الجبهات، في ظل التوتر في الجبهة الشمالية، وتطورات الملف النووي الإيراني، وعدم استقرار جبهة قطاع غزة التي يصنفها العدو بأنها الجبهة الأقل استقراراً والأكثر قابلية للاشتعال.
يدرك العدو أن الساحات الفلسطينية أصبحت أكثر ترابطاً منذ معركة سيف القدس في أيار/مايو 2021، مروراً بالعمليات الفدائية في الداخل الفلسطيني المحتل، وتصاعد وتيرة المقاومة والمواجهة في الضفة والقدس المحتلتين، وانتصار الأسرى في معارك الأمعاء الخاوية، وليس انتهاءً بجولة وحدة الساحات في قطاع غزة، الأمر الذي يدفع في اتجاه تزايد وتيرة العمل المقاوم وتثوير الحالة الفلسطينية، وخصوصاً في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتل.
يعمد العدو إلى تجاهل نتائج استمرار احتلاله الأرض الفلسطينية وتهويده المقدَّسات الإسلامية والمسيحية، ومواصلة عدوانه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني، والمضيّ في سلب حقوقه وحريته. ولا يكلّف نفسه الربط بين ممارساته الإجرامية وقيام الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه عبر الوسائل المتاحة والمشروعة، بحيث بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام 132 شهيداً، منهم 82 شهيداً في الضفة الغربية المحتلة و50 شهيداً في قطاع غزة، ومئات الجرحى والأسرى، إلى جانب عمليات الاستيطان وهدم البيوت، وتدنيس المسجد الأقصى. وعلى الرغم من وضوح جرائم العدو، فإنّ وسائل إعلامه ومصادره المتعددة لا تربط بين دفاع الفلسطيني عن نفسه وممارسات الاحتلال وعدوانه.
وفي الغالب، فإن هذا التجاهل سيستمرّ حتى تزيد تكلفة الاحتلال واستنزافه، الأمر الذي سيضطره إلى الإقرار والإذعان للإرادة الفلسطينية، وهو ما يعني أن مسار المقاومة الشاملة وتفعيلها وتصعيدها، هو المسار الفعّال لدحر العدو وكنسه عن الأرض الفلسطينية.