تظل صورة القتيل تطارد القاتل في الحقيقة والخيال، فالقتيل لا يموت من ذهن القاتل، ولا ينمحي من خاطره، يبرز القتيل للقاتل في شربة الماء، ويطل عليه من شباك الزنزانة، ويتحدث معه في الصباح، ويلومه في المساء، القتيل مبتسمٌ، والقاتل مكفهر الوجه، عابسٌ، ومهما حاول القاتل أن يهرب من صورة القتيل، فلا يقدر، لقد سكن القتيل فوق أرنبة أنف القاتل، وأطلَّ من بين عينيه؛ اللتين لا يرى فيهما إلا دم القتيل، ليظل القاتل المطارد بالأشباح في عز الظهر، والمسكون بالأرواح طوال الليل، في رعب وقلق على مدار الوقت.
ارحموا القتلة من خيالاتهم، ومن أنفسهم الممزقة بين الرعب والجزع، وسارعوا إلى تنفيذ الأحكام القضائية بحقهم، رحمة بهم، ورحمة بأهلهم، ورحمة بأهل القتيل، فتنفيذ الحكم فيه راحة للطالب والمطلوب، وفيه إغلاق صفحة من وجعٍ وأنينٍ لا ينتهي، فأهل القاتل في رعب وقلق، يُهيَّأ لهم أن أهل القتيل سينالون منهم، وهم ينتظرون المجهول الذي يعيشه ابنهم القاتل، ويتوقعون القصاص منه في كل لحظة، وأهل القتيل في حزن وترقب، وهم يتوجسون الريبة من أهل القاتل، والجميع في حذرٍ من تكرار عملية القتل، ولو بالخطأ، الطرفان مرتبكان مرتعبان ينتظران في قلق وخوف.
تنفيذ الأحكام القضائية لا يحتاج إلى مشاورات، وليس بحاجة إلى المزيد من المحاكمات، ولا إلى المزيد من التواقيع والقرارات، تنفيذ الأحكام القضائية مهمة الجهات الحكومية، وهي تنفذ أمراً قضائياً، بل هي مطالبة بتنفيذ الأحكام القضائية، دون مناقشة، ودون تردد، فما دام قد صدر الحكم، واستوفى كل مراحل التقاضي، وأخذ المتهم كل حقوقه في الدفاع عن نفسه، فقد صار يستعجل في التنفيذ، ليرتاح من رعب التوقعات والمفاجآت.
في زمن الإدارة المصرية لقطاع غزة، تم تنفيذ حكم الإعدام بقتلة تاجر الذهب البغدادي سنة 1965، وظلت المقصلة التي شهدت على إعدام المجرمين قائمة في سجن غزة حتى زمن قريب، في تلك الأيام، استقبل أهل غزة خبر إعدام القتلة بارتياح واطمئنان، وصار إعدام المجرمين حديث الشارع، بعد أن ساد الحديث عن الخوف والفزع من تكرار الجريمة، فكان الإعدام رادعاً، ومبعث الراحة النفسية لأهل المغدور.
قد تعترض بعض التنظيمات الفلسطينية اليسارية على تنفيذ حكم الإعدام، وقد تعترض بعض المنظمات الحقوقية على تنفيذ الأمر القضائي، والاعتراض من حقهم، بحكم مواقعهم التنظيمية والوظيفية، ولكن من حق المجتمع الفلسطيني أن يعيش بأمن وسلام، ومن حق عائلة القاتل أن تعيش بأمن وسلام، ومن حق عائلة القتيل أن تعيش بأمن وسلام، وللقاتل على المجتمع حق الموت بهدوء وسلام، فالمحكوم بالإعدام يموت كل يوم، وهو يستعجل الغروب، ليدفن خوفه وقلقه في عتمة الليل، وهو يستعجل الموت، لأن الموت مرة أهون من انتظار الموت ألف مرة!