ترتفع معدلات الجريمة في العالم بالتزامن مع ضعف الدور القانوني لمنظمات حقوق الإنسان، التي من المفترض أن تدعم قيم العدالة والنزاهة والمحاسبة، لأن تغييب معايير الحكم الرشيد عن إدارة الحكم، سيندرج تحته ترهل في تنفيذ أحكام القضاء، إذ إن منظومة العدالة في قطاع غزة لا تزال تسجل نجاحًا ملحوظًا في استقلاليتها مع ما تعانيه في ظل الانقسام، الذي جعل مجلس القضاء الأعلى في السلطة يعطل الكثير من القوانين والتشريعات في غزة، بما فيها تنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم القتل والمتعاونين مع الاحتلال.
وفي ظل الظروف الراهنة التي تلتف فيها مكونات المجتمع المدني والقوى الوطنية والإسلامية، وعدد من الهيئات الحقوقية حول خيار تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم العليا في قطاع غزة، بات من الضروري حماية مسوغات التنفيذ من محاولات رئيس السلطة الذي يتغول في مفاصل القضاء في النظام السياسي الفلسطيني، إذ إن تعطيل المجلس التشريعي وتغييب دور الهيئات القانونية الأخرى شكل دافعًا لاستمرار تغول عباس واتساع صلاحياته بين أركان السلطة، التي أصبحت تمثل سلطة الرجل الواحد، إذ إن شريحة واسعة من المشرعين القانونيين أقصتهم السلطة بعد قرار حل المجلس التشريعي في إطار اغتصاب الدستور الفلسطيني، والتلاعب بالقوانين بما يُمكِّن رئاسة السلطة من استخدام كل اللوائح في إطار غير قانوني لمحاصرة إدارات الحكم ومؤسساتها النظامية والمستقلة.
في ضوء ذلك ما زالت المحاكم في قطاع غزة تعمل على قدم وساق في سبيل حماية الدستور الفلسطيني، والاحتفاظ بحقوق المواطنين الذين يملكون حق العدالة والمساواة في الأحكام والقضاء، والعمل بكل حرص على خفض معدل الجريمة، وملاحقة المجرمين، وتقديمهم للعدالة وفق نصوص قانونية، مع انتظار تنفيذ تلك الأحكام بما يضمن المساواة بين الجميع، وهو ما سيعزز من قيم العدالة في القطاع، وإفشال المساعي الذي أحدثها الانقسام والتي تسلك منحى آخر لتعطيل عمل القضاء في غزة.
وحرصًا على حماية المواطنين، ودعم منظومة القضاء، والوقوف بجانبه في إطار الحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي، ومنعًا لتكرار الجرائم، ينبغي أن يصبح القانون ثقافة للفرد وثقافة للمجتمع، وكل مركبات النظام، لأن غيابه بكل بساطة يعني الفوضى، بل وحتى سيادة شريعة الغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف. واهتمام الإنسان بالقانون ليس ترفًا، بل هو ضرورة لاستمرار الحياة البشرية، إذ يضمن حقوق الأفراد ويمنع اغتصابها، ويحمي الحريات ويمنع التعدي عليها، ويوفر أطرًا لحل النزاعات بين الناس عند تنازع الحقوق، ويساعد المجتمع على حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار.