في ستينيات القرن الماضي تعرض الشعب الصيني لمجاعة عظيمة راح ضحيتها أكثر من 15 مليون صيني في أربع سنوات، ومن الأسباب الرئيسة لتلك المجاعة هو إسناد الأمر إلى غير أهله والعبث بالطبيعة والتقارير الاقتصادية الكاذبة. إذ قررت القيادة الشيوعية القيام بقفزة نوعية في المجال الزراعي وسلمت المشروع لمن يفتقد الخبرة العملية، ما أدى إلى استخدام تقنيات فاشلة، ومع مرور الوقت اضطر الفاشلون إلى إصدار تقارير كاذبة تفيد بوفرة الإنتاج من أجل إرضاء الحزب الذي يراقب التجربة، وذلك أدى إلى زيادة التصدير على حساب احتياجات الشعب، وهناك سبب آخر وهو قرار اتخذه الفاشلون في القضاء على أنواع مختلفة من الطيور ومنها العصافير لأنها تأكل البذور والمحاصيل، وبالفعل نجحوا في هذه الجزئية حتى كادت الأجواء الصينية أن تخلو من الطيور، ما أدى إلى انتشار الآفات والحشرات بشكل مرعب والتي قضت بدورها على جزء كبير من المحاصيل الزراعية وهذا نتيجة العبث بالطبيعة، وفي النهاية الذي دفع الثمن هو الشعب الصيني وليست القيادة.
مما نستفيده من دروس كارثة المجاعة الصينية هو عدم إسناد الأمر إلى غير أهله، وإن لم نكن قادرين على معرفة أن القيادة ناجحة في بداية عملها يمكننا معرفة ذلك من خلال تجربتها بعد توليها المسؤولية لفترة معينة. الحكومات الفلسطينية المتعاقبة لم تنجح في تحقيق إنجازات للشعب الفلسطيني، لم تخرجه من فقره ولم تعِنْه على التخلص من الاحتلال، ولم تعْطِه حتى الأمل بالخلاص من الأزمات التي يعانيها، وهذا دليل على أنها فاشلة في عملها ولا بد من التوافق على تغييرها لأننا نتجه إلى كارثة والشعب هو الذي سيدفع الثمن وليس الوزراء ولا المسؤولون. التقارير الوهمية عن النجاحات والإنجازات وحتى الانتصارات السياسية لا تعد ولا تحصى ومع ذلك فوضعنا السياسي من سيئ ألى أسوأ وكذلك الاقتصادي والاجتماعي، والاستمرار على هذا النحو سيأخذنا إلى الكارثة والمجهول ويساعد في ذلك كثرة "السحيجة" و"المطبلين" واختفاء المرشدين والناصحين والحريصين على هذا الشعب.
والدرس الذي لا يقل أهمية عما سبق هو التحذير من العبث بطبيعة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، وأنا أؤكد أنه لا فرق بين من قتل العصافير فدمر المحاصيل الزراعية وقتل الناس في الصين وبين من يعمل على إفساد المرأة بحجة تحريرها فيؤدي ذلك إلى تدمير المجتمع الذي هو بأمس الحاجة إلى من يحميه ويحصنه من أجل إخراج جيل قادر على تغيير هذا الواقع الأليم، وهذا مثال وهناك الكثير مما لا يتسع المقام لذكره، ولكن علينا أن نعتبر قبل فوات الأوان.