فلسطين أون لاين

مجددًا.. الإسرائيليون يخشون التورط في "الوحل الغزي"

بصورة لافتة، سُرِّب كلام منسوب لقائد جيش الاحتلال أفيف كوخافي، عن سيناريو عسكري قدمه مؤخرًا للحكومة، وجاء فيه أن "الجيش يمكن أن يقوم بعملية عسكرية واسعة في غزة، لم يقُم بها من قبل، لكن نتيجتها المؤكدة هدوء تام من القطاع دون إطلاق نار لمدة 15 عامًا، لكن الثمن سيكون باهظًا بما يصل إلى مقتل 300 جندي".

فور صدور هذا التسريب، وبغض النظر عن مدى وجاهته، فقد أجرى معهد "بانيلز" استطلاعًا بين الإسرائيليين لمعرفة مواقفهم، إذ أعلن 65٪ عدم موافقتهم على هذه العملية، و21٪ فقط سيوافقون عليها.

بعيدًا عن التحليل التفصيلي للنتائج، لكن التغذية الراجعة من العدوانات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، كشفت انخفاض القدرة الاستيعابية للمجتمع الإسرائيلي لمواجهة أعداد القتلى في أي عدوان متوقع، وبات أحد الاعتبارات المهمة في عملية صنع القرار في الأمور العسكرية، واشتد هذا الخوف منذ منتصف التسعينيات.

تؤكد القراءة المتأملة لنتائج الاستطلاع الحالي أن صانعي القرار الإسرائيلي في العقود الأخيرة يعتقدون أن الخسائر في صفوف الجنود ستؤثر سلبًا في الرأي العام، وتؤدي لضغوط عامة لوقف القتال، وتؤثر في مكانتهم العامة، ومن الواضح أن هذا القلق يُعطى وزنًا في قراراتهم، مما انعكس في الجهود المبذولة لتقليل عدد القتلى في العمليات العسكرية. 

مع أن الدعم الذي دأب الجمهور الإسرائيلي على منحه لصانعي القرار للاستمرار في العمليات العسكرية استخدم بطريقة جعلتهم يختارون التصرف بحذر شديد، ما حال دون إمكانية تحقيق إنجازات، وفق الفهم الإسرائيلي طبعاً، وفي النهاية ساهم عدم تحقيقها لتراجع تأييده للصراعات التي تورط فيها الاحتلال منذ بدء الألفية الثالثة، وانتشار مشاعر خيبة الأمل، وشيوع الفشل لدى الجمهور.

وقد أسفر الخوف المفرط لدى صانعي القرار الإسرائيلي من وقوع إصابات في صفوف الجيش عن عواقب سلبية عديدة على سير الحرب ونتائجها، وفق الاستنتاج الإسرائيلي أيضاً، ومن ذلك عدم الرغبة الشديدة في المناورة البرية، وفرض مزيد من القيود القتالية على القوات لتقليل الخسائر، مثل تجنب القتال في وضح النهار، ومنعهم من إكمال مهامهم حتى النهاية، وأحيانًا شكل الخوف من سقوط المزيد من القتلى للحد من النشاط العدواني للجيش. 

في العقود الأخيرة عدَّ صناع القرار الإسرائيلي أن عدم وقوع إصابات إنجاز بحد ذاته، لكن السعي لتقليلها أدى لقلة الإنجازات، ومع مرور الوقت شكَّل هذا الخوف قيدًا يتفوق على الاعتبارات الإستراتيجية والعسكرية، وأصبح "رهابًا" انبثقت عنه عواقب إشكالية، فضلًا عن أن تأجيل التعامل مع تهديد عسكري، سيؤدي لمواجهة أكثر صعوبة في المستقبل، وبتكلفة أعلى في حياة الإسرائيليين، مع أن هذا التخوف لا يعني ألَّا يقدم الاحتلال على خيار مكلف، دون أن يحظى بتأييد إسرائيلي واسع!