فلسطين أون لاين

تقرير بعد أن ضاقت بها السبل.. عائلة عليان المقدسية تهدم بيدها "حلم عمرها"

...
مشهد حي من منزل من بيت عائلة عليان المهدم
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

حزنٌ كبير يتوسط ملامح وقلب المقدسية حنين عليان وهي تسابق الزمن لإفراغ ما يمكن حمله من بيتها الذي اضطر زوجها إلى هدمه ذاتيًّا خشية الملاحقة الإسرائيلية، فالقرار المفاجئ الذي منحهم عشرة أيام فقط لهدم منزلهم أدخلها في دوامة من الألم وهي مضطرة لأن تُخلي بيتها في حين ترى الآليات تهدمه جزءًا جزءًا وتهدم مع كل حجر فيه جزءًا من حلمها وأسرتها بالاستقرار.

وكان الشاب المقدسي أحمد عليان، شرع الأحد الماضي، في تنفيذ قرار "الهدم الذاتي" لمنزله في قرية بيت صفافا المقدسية.

سيل من الغرامات

ففي السنوات الفائتة لم تترك بلدية الاحتلال في القدس عائلة عليان تهنأ يومًا واحدًا ببيتها، فمن محكمة لمحكمة ومن غرامة لأخرى، لكن ما كان يصبر قلب حنين أنها تمتلك منزلًا خاصًّا بها وبزوجها وقريبًا من أهلهما.

كانت تضع يدها على قلبها كلما خضع زوجها للمحاكمة بشأن البيت، خشية أن تفقده يومًا لأنها تدرك أنه من الصعوبة بمكان أنْ تحوز بيتًا آخر في القدس المحتلة حتى لو بالإيجار، "فالإيجارات باهظة وتفوق قدرة زوجي المادية الذي أثقل الاحتلال كاهله بغراماتٍ باهظة سيحتاج إلى سنوات لسدادها".

منذ الأحد بدأت الأسرة في هدم المنزل ذاتيًّا، وحين تحدثنا لـ"حنين" كانت تسابق الوقت للظفر ببعضٍ من أثاثها ونقله لبيوت أقربائها وزوجها، محاولة أن تتحلى برباطة الجأش كلما أفرغت مكانًا وجاء زوجها ومَنْ استعان بهم من أقارب وجيران لهدمه!

ففي القدس المحتلة فقط، يُجبر الفلسطيني على هدم بيته وذكرياته وكل ما يملكه بيده، بقرارٍ من محتل ظالم يريد دفع المقدسيين لترك أرضهم للاستيلاء عليها.

وعلى مقربة من "حنين" كان زوجها أحمد عليان يحاول أنْ يتمالك نفسه ليتم عملية هدم المنزل بعد صراع مرير مع بلدية الاحتلال التي أمطرته بوابلٍ من المخالفات والغرامات والمحاكمات منذ وطئت قدمه المنزل.

فـ"عليان" لا يعرف له مكانًا في الدنيا سوى قرية "بيت صفافا" المقدسية حيث ولد وترعرع وحين تزوج قام ببناء منزلٍ على أرضٍ لعائلته، وسكن وزوجته فيه في نوفمبر عام 2014، لم يلبث قليلًا حتى باغتته بلدية الاحتلال في القدس في العام التالي بطلب استدعاء للمثول أمام المحكمة الخاصة بها.

يقول: "هناك وجهوا لي تهمة البناء دون ترخيص، فكان ردي عليهم بأنني منذ عشر سنوات قبل هذا التاريخ، وأنا أحاول الحصول على ترخيص منهم دون جدوى مع أنني استكملتُ كل الأوراق المطلوبة، وعدوني بأن يردوا على طلبي".

ليس باليد حيلة

لكن ما فعلوه هو طلبه مرة ثانية للتحقيق في 2016م ، حيث ضرب القاضي عرض الحائط بكل الأوراق الثبوتية التي تثبت سعيه للحصول على ترخيص وأقر بحقه غرامة باهظة قدرها 36 ألف شيكل، وجعله يوقع على تعهد بألا يحدث أي تعديل في المنزل أو يفتح شباكًا فيه حتى ينظروا في أمره.

وفي عام 2019م عاودت بلدية الاحتلال الكرة وطلبته للتحقيق وأوقعت بحقه غرامة قدرها 40 ألف شيكل، وألحقتها بغرامة أخرى قدرها 18 ألف شيكل، "لأصبح أسيرًا لسيل من المخالفات"، يقول عليان.

لكنهم لم يكتفوا بذلك بل فاجؤوه يوم الأربعاء (السابع عشر من أغسطس) بمجيء قوات كبيرة من "حرس الحدود" وأمن البلدية إلى بيته ظهرًا وسلموه قرارًا بهدم منزله بنفسه خلال عشرة أيام وإلا فإنهم سيهدمونه هم، و"هددوني بأنني سأدفع 70 ألف شيكل لهم تكاليف الهدم وألفيْ شيكل لكل شرطي أو موظف إسرائيلي سيشارك في عملية الهدم"، يوضح عليان.

ولن يقف الأمر عند هذا الحد بل إنهم سيحيلونه إلى محكمة البلدية لتنظر في أمره وقد يصدر بحقه أمر اعتقال، لم يتركوا أمامه مجالًا سوى القيام بهدم منزله بنفسه، لأنه ليس قادرًا ماديًّا على تغطية تكاليف الهدم، "كان القرار صعبًا للغاية لكن ليس باليد حيلة، فأنا اليوم بلا مأوى مضطر لهدم المنزل الذي يؤويني وزوجتي وطفلي".

ويسابق عليان الزمن لإخلاء ما يمكنه من أثاثه ونقله لبيوت أقربائه في ظل غياب أي دعم مهما كان نوعه من أي جهة رسمية فلسطينية، معبرًا عن القهر الذي يتوسط قلبه وهو يعاني وغيره من المقدسيين الهدمَ والتشريد والعنصرية المقيتة التي تمارسها (إسرائيل) ومؤسساتها بحقهم، في محاولة لتفريغ القدس منهم.

ويشير إلى أنه حدثت مشادة كلامية بين شقيقه الأكبر والمفتش العام لشرطة الاحتلال حين قال له: "انتا راح تهد واحنا راح نرجع نبني وحنعلم أولادنا انا أصحاب الأرض والحق وهادي أرضنا"، ما أدى لاشتباك بالأيدي بينه وبين الشرطة قامت على إثره الأخيرة باحتجاز اثنيْن من أشقائه لديها لعدة ساعات.

ويعد عليان أن ما يحدث معه هو الضريبة التي يدفعها كل مقدسي في سبيل البقاء في أرضه في ظل مسؤولين إسرائيليين يتسابقون لتفريغ المدينة المقدسة من أهلها.

واليوم يحاول عليان الانتهاء من هدم بيته بأسرع وقت ممكن حتى لا يتم توقيع غرامات جديدة بحقه، وفي الوقت ذاته يسكنه اليأس في الحصول على بيت بالإيجار يناسب قدراته المادية في ظل الغلاء الباهظ لأسعار الإيجارات في القدس، "أتنقل أنا وزوجتي بين بيوت أقربائنا إلى أن نستطيع الحصول على منزل في القدس، لا نريد تركها والذهاب للضفة".