تتعدد الأساليب لكن الهدف واحد، هكذا هي السياسة التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قرى وبلدات وحارات مدينة القدس المحتلة، وآخرها المهرجان التهويدي الذي تُقيمه بلدية الاحتلال على أراضي وادي الربابة في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى.
ويهدف المهرجان التهويدي الذي يستمر حتى 25 أغسطس/ آب الجاري، ويحمل عنوان "أوتوفورد" إلى تضييق الخناق على أهالي "وادي الربابة" ضمن مخططات تهويد المنطقة وصولًا لتهجيرهم قسرًا.
ويضم المهرجان مجمعًا للطعام، ومنصات للحفلات الموسيقية، وأكشاكًا لبيع وشرب الخمور، ومقاهي متنقلة، وأنشطة للكبار والصغار، إذ تروج بلدية الاحتلال لهذا المهرجان منذ سنوات بهدف جذب آلاف المستوطنين من مدينة القدس وخارجها.
ويعد وادي الربابة البالغة مساحته نحو 200 دونم، أحد أحياء بلدة سلوان ذات الطبيعة الخلابة، ويحتوي على الكثير من الآثار الكنعانية واليونانية والرومانية القديمة، وعلى أشجار الزيتون التي يزيد عمرها على 800 عام.
سياسة تضييق
يقول المواطن المقدسي صالح الشويكي وهو أحد سكان منطقة "وادي الربابة"، إن الاحتلال يسعى من خلال إقامة هذا المهرجان وغيره من الاحتفالات الأخرى، إثبات ملكيته في الأرض الفلسطينية، وصولًا لتهجير السكان.
ويرى الشويكي الذي ترعرع في تلك المنطقة منذ طفولته لـصحيفة "فلسطين"، أن هذه الممارسات تندرج ضمن سياسة التضييق على أهالي المنطقة، من أجل دفعهم للهجرة قسرًا، كي يحقق أهدافه الرامية لتهويد المنطقة بالكامل.
ويضيف: "الاحتلال يحاول قدر المستطاع أن يثبت أن الأرض العربية الفلسطينية ليست من حقنا، ويريد التنغيص على المواطنين وطردهم، وكل ذلك في سبيل تهويد مدينة القدس بالكامل".
وشدد الشويكي على أن "محاولات الاحتلال لم تتوقف في تزوير التاريخ الفلسطيني، وتسويقه للعالم الخارجي بأن له الحق في الأرض الفلسطينية"، مشيرًا إلى أن التاريخ لم يذكر الدولة العبرية مُطلقًا.
وبيّن أن أهالي "وادي الربابة" يقاومون الاحتلال بكل ما يمتلكون من وسائل بدائية، وبمساندة بقية أبناء الشعب الفلسطيني سواء بالضفة أو قطاع غزة أو الداخل المحتل.
بدوره، يقول عضو لجنة الدفاع عن أراضي وادي الربابة د. سمير شقير، إن المهرجان يأتي ضمن مخطط منظم تكتمل فيه الأدوار بين القضاء الإسرائيلي وبلدية الاحتلال وما تُسمى "سلطة الطبيعة".
وبيّن شقير لـ"فلسطين"، أن هذا المهرجان سبقه بعض الخطوات التي أبرزها تثبيت وتهويد ومصادرة أراضي المنطقة، والحصول على قرار قضائي بتحويلها إلى حدائق عامة، وكل ذلك على حساب السكان.
ولفت إلى أن "وادي الربابة" منطقة جميلة وجبلية ومُطلة على جبل المكبر، إذ استولت عليها سلطات الاحتلال ودأبت على إنشاء حدائق عامة وتغيير شكلها العام، عادًّا ذلك "منافيًا للأعراف والقوانين الدولية".
وأوضح شقير أن الاحتلال يستغل هذه المنطقة من ناحية ديموغرافية أيضًا، إذ يستغل أراضي الفلسطينيين بحيث يصبحون غير قادرين على البناء أو التعمير فيها، ما يدفعهم للهجرة قسرًا، معتبرًا ذلك يندرج ضمن "الاستثمار السياحي والتسويق لتاريخه المزيف".
وأضاف: "نحن نتعامل مع عصابة تتكون من مستوطنين تدعمهم حكومة يمينية متطرفة، وتهيئ لهم كل الإمكانات من أجل تهويد والمنطقة وتهجير السكان"، منتقدًا في الوقت ذاته، الدور الرسمي وصمته إزاء ممارسات الاحتلال المستمرة بحق تلك المنطقة.
غطاء ثقافي
إلى ذلك، يؤكد الناشط والمختص في شؤون القدس فخري أبو دياب، أن إقامة هذا المهرجان تندرج ضمن المشاريع التهويدية ومحاولات تغيير الثقافة في مدينة القدس، ولا سيّما بعد تحويل تلك المنطقة إلى متنزهات تحت مُسمى "حدائق وطنية دينية وتوراتية".
وقال أبو دياب لـ"فلسطين"، إن سلطات الاحتلال تستغل هذه المهرجانات من أجل تغيير الثقافة في القدس، ولا سيّما أنها تتبع ثقافة المؤسسات الإسرائيلية وكأن "الجزء الشرقي من القدس هو ملك لها".
وعد هذا المهرجان "جزءًا من محاولة إدخال ثقافة غريبة على الجزء الشرقي من مدينة القدس واستيطان وتهويد بغطاء ثقافي وتغيير للسلوك اليومي في المدينة"، لافتًا إلى أن الاحتلال يعمل جاهدًا على إدخال أمور غريبة خارجة عن العادات والتقاليد الفلسطينية لمنطقة شرقي القدس.
وشدد على أن هذا "المهرجان أدى إلى تضييق الخناق على الأهالي في أثناء دخولهم وخروجهم للمنطقة، ما دفعهم للتنقل عبر شوارع أخرى".
وختم حديثه، أن "هذا الإجراء على المدى البعيد هو جزء من تفريغ المنطقة ودفع الناس للابتعاد عن المناظر المخالفة لعاداتنا وتقاليدنا، وصولًا لتحقيق أهدافه بتهجير السكان كاملًا".