في محاولة لطمس الحقائق وسرقة التاريخ والادعاء بأن فلسطين أرض بلا شعب، والحقيقة أن فلسطين بحضارتها وتاريخها تكذّب ادعاء المؤرخين الصهاينة وعلماء الآثار الذين لن يدخروا جهدا في محاولة إيجاد ما يثبت وجود حضارة لليهود ولكن دون جدوى.
وقد أولت حكومات الاحتلال الصهيونية المتعاقبة منذ عام 1948 اهتمام مؤرخيها وعلماء الآثار بالتنقيب عن الآثار الفلسطينية الدالة على عروبة فلسطين وهويتها الحقيقية. وقد تم تشكيل فرق ولجان من علماء الآثار الإسرائيليين والمؤرخين بغية البحث والتنقيب في كل أماكن فلسطين المغتصبة في الخامس عشر من أيار/ مايو من عام 1948، وكان الهدف من وراء ذلك طمس التاريخ والحضارة الفلسطينية وتزوير التاريخ عبر تزوير الآثار الفلسطينية وإعطاء صبغة يهودية لها. ولم تسلم من ذلك الشواهد التاريخية في المدن الفلسطينية الرئيسية، مثل عكا ويافا والقدس وطبريا، من الإجراءات الإسرائيلية لجهة تهويدها عبر تزوير الكتابات على جدران تلك الشواهد التاريخية وتغيير أسماء الميادين والشوارع وتغيير الطبوغرافيا الفلسطينية، ورغم ذلك فإن هناك شواهد ما زالت ماثلة لليوم لدحض المقولة الإسرائيلية وكذب ادعائهم وكشف حقيقة تزويرهم للتاريخ.
ولم تتوقف المحاولات عند حد معين، بل حاولت (إسرائيل) عبر مؤسساتها المختلفة تهويد الأزياء الفلسطينية، سواء تلك المتعلقة بلباس المرأة أو الرجل، من خلال عمليات سرقة وتزوير ممنهجة. وحتى الأكلات الشعبية كالحمص والفلافل والمقلوبة.
فلسطين أم الحضارة، وحضارتها امتداد لحضارات الشرق، وفيها إرث يعود تاريخه لآلاف السنين، وتتعرض لأبشع جريمة لطمس الحقائق وتزوير التاريخ عبر سرقته من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وهناك «مافيات» بيع الآثار والتراث والتاريخ الذي لا يقدر بثمن؛ في وقت ترتفع فيه الأصوات الفلسطينية وتطلق الصرخة تلو الصرخة مطالبة المنظمات الدولية ومنظمة اليونسكو لحماية الإرث والتاريخ والحضارة الفلسطينية.
والدراسات تشير إلى وجود أكثر من 3300 موقع أثري في الضفة الغربية، وثمة عدد من الباحثين يؤكدون أنه في كل نصف كيلومتر من مساحة فلسطين يوجد موقع أثري ذو دلالة على الهوية الحقيقية لفلسطين.
ويذكر أن (إسرائيل) شاركت بمعارض دولية، وعرضت فيها أزياء ومأكولات فلسطينية على أنها أزياء إسرائيلية، وذلك رغم أنها جزء من هوية الشعب الفلسطيني. ولم تتوقف (إسرائيل) بعد احتلالها للضفة والقطاع في الخامس من حزيران/ يونيو من عام 1967 عن سياساتها الرامية إلى سرقة الآثار الفلسطينية ومحاولات تهويدها، على طريق تهويد الزمان والمكان في محاولة لطمس الهوية الوطنية وتزييف وتزوير الحقائق.
وتشير الدراسات المتخصصة بالآثار الفلسطينية إلى أن الآثار في الضفة الفلسطينية تتعرض منذ عام 1967 لمزيد من عمليات السرقة والبيع من قبل قادة في (إسرائيل) وبات شغلهم التنقيب عن الآثار والمتاجرة فيها.
وأشارت دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني التابعة للسلطة الفلسطينية؛ إلى تعرّض ما يزيد على 500 موقع أثري وأكثر من 1500 معلم أثري فرعي للسرقة والتدمير من قبل لصوص الآثار والاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب تعرض عدد من مراكز القرى التاريخية لأعمال التدمير الكلي أو الجزئي. كما أكدت تلك الدائرة أن الآثار والتراث الفلسطيني يواجهان مخاطر كبيرة نتيجة استفحال ظاهرة السرقة والاتجار، وهو ما يهدد باستنزاف الموارد الثقافية والاقتصادية لفلسطين.
وتشير الدراسات الفلسطينية إلى أن من أسباب هذه الوضعية انهيار نظام الحماية في المناطق الفلسطينية بفعل السيطرة الإسرائيلية عليها، وبالتالي وقوعها تحت إدارة الاحتلال المباشرة، هذا فضلاً عن أعمال التدمير التي يقوم بها جيش الاحتلال لمواقع التراث الثقافي كما جرى في القدس ونابلس والخليل وبيت لحم، وغيرها من المواقع الأثرية في المدن والقرى الفلسطينية المختلفة.
إن ظاهرة سرقة الآثار الفلسطينية والاستحواذ عليها والاعتداء على المواقع الأثرية الفلسطينية؛ تعد من أكبر الجرائم والتحديات التي تواجه الفلسطينيين، وهو ضمن مخطط لتدمير الإرث الحضاري والمهدد بالتهويد وفق سياسات إسرائيلية مبرمجة، الأمر الذي يتطلب نشر وعي ثقافي مجتمعي فلسطيني، من خلال إعلانات وندوات علمية وتوعوية في كل المراحل الدراسية لمواجهة التحدي الإسرائيلي الجديد القديم.
مما يتطلب توفير الإمكانيات المادية والمعنوية والإعلامية عبر برامج التوعية والتثقيف والتربية والتنسيق على كل الصعد؛ الفلسطيني والإقليمي والدولي لمكافحة كل محاولات طمس الحقائق وسرقة الآثار الفلسطينية، ويعزز هذا التوجه عضوية فلسطين الكاملة في العديد من المنظمات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها اليونسكو.
ويؤكد علماء التاريخ والباحثون الفلسطينيون أن الآثار الفلسطينية تشكل ثروة كبيرة، وجزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية والتاريخ والحضارة الفلسطينية، وجزءًا هامًّا من الاقتصاد الوطني الفلسطيني، وخاصة أن أساسها التنوع الحضاري الذي يعود إلى آلاف السنين.
لنحافظ على حضارتنا وتاريخنا وآثارنا الدالة على عروبة فلسطين وتاريخها العروبي عبر القرون من خلال التصدي لكل محاولات تزوير التاريخ الفلسطيني وطمس الحقائق.