فلسطين أون لاين

ما هو حكم التبذير والإسراف عند استعمال المرافق العامة؟

...
حكم التبذير والإسراف عند استعمال المرافق العامة

حُرْمَةُ التَّبْذِيرِ والإسْرَافِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَرَافِقِ العامَّةِ، ومُمتلَكاتِ الأوقَافِ

للشيخ مفتي خان يونس إحسان عاشور

السؤال / نرى بعـضَ النَّاسِ يُفـْرِطُـونَ في استهـلاك الْماء، واستـعـمال الكـهرباء؛ بإنارة الكـثيـر من الْمصـابيح والْمَرَاوِحِ في الْمساجد، بما يزيد عن حـاجـة الْمُصَـلِّـيـن، علماً أنَّ الفـواتيـر تدفَـعُـهـا وزارة الأوقاف من الإيرادات الوَقفـية، فما حـكـم هذه التصـرفـات شـرعاً؟

الجواب/ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإني أسجِّلُ إجابتي في النقاط الْخمس التالية:

أولاً / نهىٰ الإسلام عن تضييع الأموال العامة؛ بإنفاقها فيما لا يُفِيدُ، أو تبديدها في غير ما يُحتاجُ إليه؛ فعَنْ خولةَ الأنصاريةِ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ رجـالاً يَـتـَخَـوَّضُـونَ في مَـالِ الله بغـير حَقٍّ، فَـلَهُـمُ النـَّارُ يومَ القيامة " أخرجه البخاري.

والتـَّخَوُّضُ في مال الله: هو التـَّصَرُّفُ فيه بِما لا يرضاه سبحانه، ولا شكَّ أنَّ مالَ الوَقفِ، وسائرَ الأموالِ العامةِ، مِنْ مال الله الذي به قيام مصالحُ الأمَّة.

وقد ذكر العلماء أنَّ إهدارَ مَالِ الوَقفِ حرامٌ؛ لأنه غيرُ مأذونٍ فيه، فهو كَسَرِقـَتِه؛ بل أفتى بعض العلماء بِحُرمَةِ شَحنِ الْجَوَّالِ من كهرباء الْمسجد؛ إلا لِضرورة أو حاجة مُلِحَّةٍ، قَدرَ الْحاجة فقط؛ لأنـَّهُ استغلالٌ لِمالِ الوقف في مصالحَ خاصةٍ، رغم أنه يَسيـرٌ؛ لأنَّ القليلَ إذا كَثـُرَ وتـَوالَىٰ صَارَ كالْجَبَلِ، وهو الصَّوابُ لِمَنْ أرادَ السَّلامَةَ مِنَ الشُّبُهات.، ولا يَظُنـَّنَّ أحَدٌ أنَّ هذا مِمَّا يُغتَفَرُ؛ لأنـَّهُ مِنَ الْمُحَقـَّرَاتِ؛ فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: " يا عائشةُ: إيَّاكِ ومُحَقـَّراتِ الأعمالِ، و في لفـظٍ: الذُّنوبِ؛ فإنَّ لها مِنَ اللهِ طـالِباً " أخرجه ابن ماجه وأحمد عن عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني والأرناؤوط، وعن سهلٍ بنِ سعد الساعدي رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " إيَّاكُم ومُحَـقَّـراتِ الذنوبِ؛ فإِنَّما مثَلُ مُحَـقَّـرَاتِ الذنوبِ كَمَثَلِ قَـوْمٍ نزلُوا بَطْنَ وادٍ، فجاءَ ذَا بِعودٍ، و جاءَ ذَا بِعودٍ، حتى حمَلُوا ما أنضجُوا بِهِ خُبزَهُم، و إِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذنوبِ متَى يُؤْخَذْ بِها صاحبُها تُهْـلِـكْـهُ " أخرجه أحمد وغيره، وصححه الألباني، والْمعنى: أنَّ الصغائر إذا اجتمعتْ، ولم تـُكَفَّرْ أهلَكَتْ.

ثانياً/ إنَّ أموالَ الوَقفِ أمانةٌ في عُنُقِ مُتـَوَلِّيها، ومِنهمُ الأئمةُ، والْمؤذِّنون، وسائرُ الْخَدَمِ العاملين في بيوت الله، كما هي أمانةٌ في يَدِ مُستعمِليها من الْمُصَلِّين، ويَجب على كل مسلمٍ أن يَحفَظَها ويَصُونَها من العَبَثِ والتضييع، وألا يستعمِلَها إلا عند الْحاجة؛ بلا تـَرَفٍ، ولا سَرَفٍ، يؤدي إلى تضييعها وتبديدها، وبصورةٍ أوضَح: يَجبُ عليه أنْ يستعمِلَها كما لو كانت في بيته، أو كان هو الذي سَيَدفعُ فاتورتها مِنْ جَيْبِهِ؛ فمَنْ ذا الذي يَسمَحُ لأفراد أسرَته أن يُسرِفوا في استعمال الْماء والكهرباء في بيته، أو يَرضَى بإشعال الأنوار، أو تشغيل الْمَرَاوِحِ، أو فتحِ صنابيرِ الْمياه بأكثرَ مِمَّا يلزم ؟!؛ بل إنه يُطالِبُ أهلَ بَيتِه أنْ يَقتـَصِدُوا في الاستهلاك، ويَنهَاهُمْ عن الإسراف،  ومِنْ بابٍ أوْلَىٰ يَجبُ عليه أنْ يفعَلَ ذلك بأموال الْمسلمين، وخاصة أموالَ الوقف الإسلامي .

ثالثاً / إنَّ الاعتداءَ على الْمال العام أعظمُ حُرمَةً من الاعتداء على الْمال الْخاصِّ؛ لأنَّ صاحب الْمال الْخاص مُعَيَّنٌ معروفٌ، أما صاحب الْمال العام فعمومُ الأمة بِجميع أفرادها، ولا فرق في حُرمَة تضييع الأمان وخيانتها بين القليل منها والكثير؛ إذ القليلُ يُفْضِي إلى الكثير، وقد ( لَعَنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم السَّارقَ يسرِقُ البَيضةَ، فتـُقطَعُ  يَدُهُ ) أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ لأنه إذا سرق البَيضة في الْمَرَّةِ الأولى سرق الدجاجة في الثانية، حتى يسرقَ ما يُوجِبُ قطع يَمينِه .

رابعاً/ وإذا جَازَ للمسلم شرعاً أنْ يستعملَ ما في يَدِهِ مِنْ أمانةٍ؛ كالْمرافق العامة، وأموال الدولة، وأموالِ الوقفِ لِمصالح الْمسلمين؛ فإنه يَجبُ عليه أن يستعملَها حَسَبَ حاجَتِهِ إليها استعمالاً مناسباً، بلا تـَعَدٍّ، ولا تفريط؛ لأنَّ الْحاجة تـُقـَدَّرُ بقدرِها، كما لا يَجوز استعمالُ تلك الْمرافق والأموال في حاجاتِهِ الْخاصَّةِ؛ كمن يستخدم كهرباءَ الْمسجد، ومَاءَهُ، وأثاثـَهُ، ومُمتلَكاتِهِ في مناسباتِهِ الاجتماعية؛ كَفَرَحٍ، أو عَزاءٍ، أو نَحوهِما.

خامساً / يَجب على مَنْ فَعَلَ ذلك أنْ يُبَادِرَ بالتوبة الصادقة إلى الله عز وجل؛ وذلك بالاستغفار، والنـَّدَم على ما فعَلَ، بعد الإقلاع الفَوريِّ عن هذه الْمعصية، والعَزمِ على عدم العودة إليها، مع لُزوم رَدِّ قيمة ما استهلَكَهُ من مال الوقف في غير مَحِلِّه إلى الْجهة التي تتولـَّى إدارَته، وهي غالباً مُديرياتُ الأوقاف، وإذا كان يـَجهَلُ قدرَ الْمال الذي أهدَرَه بإسرافِه وتبذيرِه، عَمِلَ في ذلك بغالِبِ ظَنِّهِ في تقدير قيمَتِه، ولا يَصحُّ أن يدفع هذا الْمبلغ إلى جهة غير الْجهة الْمتولـِّيَة لإدارة الوقف؛ لأنـَّها صاحبةُ الْحَقِّ في هذا الْمال، فلا يَصِحُّ صَرْفُهُ إلى غيرها مع وجودها، وإمكانِ دَفعِ قيمة الْمال الْمَهْدور إليه، ما لم يكن زهيداً، فيَضَعُهُ في صندوق الْمسجد.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

المصدر / فلسطين أون لاين