فنجان قهوة صباحي وقطعة شوكولاته ترافقه، طقس يتبعه أغلبنا لتحسين المزاج مع انطلاقة يوم جديد، أو في أمسية للقاء الأحبة والأصدقاء.
لكن هل سبق أن فكّرنا كم يحتاج هذان العنصران من المياه قبل أن يصلا إلى جلساتنا؟
المياه في يومياتنا
يستهلك الكيلوغرام الواحد من حبوب قهوة الإسبريسو نحو 19 ألف لتر من الماء، فيما يستهلك الكيلوغرام الواحد من الشوكولاته أكثر من 17 ألف ليتر من الماء.
هذا، قبل التفكير حتى بوجبة الغذاء. قد يبدو استهلاك الخضروات للموارد المائية ليس كبيراً، إذ تحتاج زراعة كيلوغرام من الجزر والطماطم على سبيل المثال، إلى نحو 200 لتر من الماء. لكن الكيلوغرام الواحد من اللحم البقري يحتاج إلى 15 ألف لتر من الماء.
أما عن صناعة الملابس، فحدّث ولا حرج. يتطلب صنع سروال جينز واحد فقط نحو 10 آلاف لتر من المياه.
مياه بعيدة المنال
رغم وفرة المياه طبيعياً على سطح الأرض، ونسبتها تزيد عن 70% منه، إلا أننا نواجه حالياً ندرة فيها.
فهنالك 1.1 مليار شخص لا يستطيعون الوصول إلى مياه صالحة للشرب، و 2.7 مليار يعانون من ندرة المياه لمدة شهر واحد على الأقل في السنة ، بحسب منظمة worldwildlife ، التي تتوقع أن يواجه ثلثا سكان العالم نقصاً في المياه بحلول عام 2025.
وتتربع العوامل البيئية على رأس القائمة بالطبع، مع التغير المناخي عالميا. لكن السياسة تلعب دوراً كبيراً باستخدام المياه الإقليمية كورقة ضغط في بعض الدول، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هذا، عدا عن الحروب القائمة بالفعل وما تسببه من عدم القدرة للوصول إلى المياه أو تلوثها.
في اليمن الذي أرهقته الحرب وأثرت على مقدراته وبنيته التحتية، يحتشد سكان مدينة تعز مثلاً حاملين عبوات بلاستيكية لملئها بمياه صالحة للشرب.
هذه المياه توفرها صهاريج تؤمَن محلياً، وفي أوقات معينة ، توزع كميات محدودة من اللترات لكل عائلة بحسب عدد أفرادها.
سكان المدينة أخبروا فريق بي بي سي أنهم لا يزالون في انتظار تحقيق وعود قطت قبل نحو ثماني سنوات، عن مشاريع لإيصال المياه الصالحة للشرب إلى المنازل.
في المقابل، أدى شح المياه الجزائر إلى احتجاجات شعبية كبيرة العام الماضي ضد الحكومة، رغم محاولات لضبط توزيع المياه من خلال مشاريع كان مصيرها التجميد.
تعود مشكلة المياه إلى 20 عاماً لأسباب منها "التقشّف" نتيجة انخفاض أسعار النفط، وتوحل السدود التي تحتاج إلى صيانة دورية، وعدم استغلال المياه الجوفية بالصحراء الجزائرية.
ويستهلك الجزائريون سنويا ما بين 3.6 إلى 4 مليارات متر مكعب، 30 في المئة منها يأتي من السدود، فيما يأتي البقية من الآبار ومحطات تحلية مياه البحر، وفق إحصاءات رسمية.
العراق أيضاً من الدول التي تعاني من الجفاف وشح المياه، رغم وجود نهري دجلة والفرات.
هناك، كان عدد أشجار النخيل يقارب 30 مليون شجرة في مطلع الثمانينيات، ليتقلص الرقم إلى نحو 18 مليون نخلة. ويعاني العراق اليوم من ضغوط سياسية تفرضها جارتاه، تركيا وإيران، تتعلق بموارده المائية.
وتم الحد من زراعة الأرز في عدة دول، بسبب استهلاكها لكميات كبيرة من الماء. حتى أنه فرضت غرامة على المخالفين في دول كمصر، التي تواجه تحدياً في هذا الإطار، وذلك مع استمرار أزمة سد النهضة بينها وبين أثيوبيا.
يعتقد الأستاذ، الياس ميخائيل سلامة النعمان، أستاذ علوم المياه في الجامعة الأردنية، أن استبعاد مصر أو أي بلد آخر لزراعات معينة يمكن أن يكون جيداً. ويقول:"هو حل لتوفير استهلاك المياه في حال لم تكن البلاد من الدول الأساسية المنتجة لمحصول يستهلك ذاك الكم الكبير من المياه. كما حال زراعة الموز في الأردن مثلاً، لكن المملكة الهاشمية ليست من الدول الأهم في إنتاجه، ويمكن الاستغناء عن هذه الزراعة في سبيل ترك مياه أكثر لاستغلالها للشرب أو لزراعات أخرى".
والحقيقة أن دراسات دولية حذرت من تراجع حصة الفرد من المياه في المملكة الأردنية من 90 متراً مكعّباً إلى 60 متراً مكعّباً سنوياً بحلول عام 2040 في كلّ المجالات؛ الشرب والاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية والسياحية وغيرها.
الحلول
تعتبر تحلية مياه البحار والمحيطات من أبرز الحلول المتبعة لتوفير المياه العذبة. لكن استخراج الملح من الماء يتطلب طاقة مكثفة، مما يعني ازدياد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي ساهمت في ندرة المياه في المقام الأول. كما أن محطات تحلية المياه باهظة الثمن.
ويعد الحل الأكثر شيوعاً والأرخص تكلفة تكرير مياه الصرف الصحي. لكن ذلك يحتاج بطبيعة الحال إلى بنية تحتية لا تتوفر بالضرورة في بلدان المنطقة أو لا تتوفر لها الصيانة بشكل مستمر.
يلوم الأستاذ النعمان بعض الدول لاستخدامها أساليب الري البدائية التي تبدد بشكل أساسي المياه.
ويوضح قائلاً: "يمكننا ترشيد استهلاك المياه والاستفادة منها لأغراض متعددة، إذا اتبعنا التقنيات الحديثة في نقل وتوزيع المياه، وأساليب الري مثل استخدام قنوات ريّ مغلقة بدل المفتوحة، والاعتماد على الري بالتنقيط وغيرها".
أما عما يمكن فعله في المنطقة العربية لاستغلال مصادرها بشكل أفضل في الوقت الراهن، يقول النعمان: "الاكتفاء الذاتي لم يعد موجوداً حالياً، لذا على الدول أن تعتمد على بعضها. وأن يتم توزيع المحاصيل وفقاً للمناخ وموجودات المياه واستهلاكها. يجب أن يكون هناك تكامل في الاستراتيجيات لحل أزمة المياه".
بأي حال، ورغم الأسباب الطبيعية غير المبشرة لكفاية المياه عالمياً، يبقى أمام منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الغنية بالمصادر المائية المتاحة نظرياً، تحديات تتعلق بالتعقيدات السياسية التي تسم المنطقة وباستخدام المياه فيها كمصدر قوة لا مصدر حياة.