دأب اليمين الإسرائيلي في كل عدوان يشنه جيش الاحتلال على غزة على استحضار ما يعده "خطيئة" الانسحاب منها، إذ يرى أن هذه الخطة هي التي أوصلت صواريخ المقاومة إلى (تل أبيب) والقدس المحتلتين، ويتهم مؤيديها بأنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال، ولا يفهمون أن إجلاء المستوطنين وخروج الجيش من غزة هما السبب في توسيع بقعة زيت صواريخ المقاومة لتتجاوز مستوطنات غلاف غزة، وتصل إلى حدّ وسط دولة الاحتلال.
لا يتوقف هذا اليمين عند تحميل خطة الانسحاب من غزة مسئولية تصاعد المقاومة، بل يعود بالتاريخ لأيام مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، وعودة الآلاف من كوادر السلطة الفلسطينية من الخارج، إذ يرى أن ذلك كان تأسيسًا لطرد الوجود اليهودي من الأراضي الفلسطينية، وتعبيدًا للطريق أمام نشوء المقاومة المسلحة في الضفة الغربية.
في الحالتين، غزة والضفة، يهرب الإسرائيليون من الحقيقة الدامغة التي تؤكد أن أي احتلال لا بد له من مقاومة تتصدى له، هذه قوانين الطبيعة، بعيدًا عن أي أسباب أو عوامل أو محفزات أخرى جانبية، بدليل أن جيش الاحتلال يواصل سيطرته اليوم على كل مناطق الضفة الغربية، لكن ذلك لم يمنع الشبان والفتيان الفلسطينيين من اعتراض الحركة اليومية لآلاف المستوطنين على الطرق الرئيسة المؤدية إلى المستوطنات، رغم وجود قوات الجيش المخصصة لحمايتهم.
إن التمترس الإسرائيلي خلف شعارات فارغة تحمل الانسحاب من غزة مسئولية تصاعد المقاومة فيه تجاهل لحقائق تاريخية عاشها المستوطنون والجيش حين كان في قلب غزة، وكيف أن جثامينهم كانت تعود بين يوم وآخر مغطاة بالتوابيت السوداء، حين كانت المقاومة لا تحوز إلا أدوات متواضعة من السلاح والإمكانات القتالية، وكذلك الحال في الضفة الغربية التي شهدت اندلاع هبّة النفق وانتفاضة الأقصى والسور الواقي.
مقابل هذا الإنكار الذي يبثه اليمين الإسرائيلي كسبًا لأصوات انتخابية هناك أصوات إسرائيلية لا تتردد في الاعتراف بأن غزة من أول يوم لاحتلالها في عام 1967 شكّلت "عشًّا للدبابير" منذ أيام الفدائيين، وكذلك الحال في الضفة الغربية منذ عقود طويلة، حتى في وجود جيش الاحتلال بقدّه وقديده شكلت الأراضي الفلسطينية معاقل أساسية لقوى المقاومة المختلفة، التي تتنافس في شدة بأسها على الاحتلال ومستوطنيه.
وفي حين أن غزة تشهد تقدمًا نوعيًّا في قدرات المقاومة الصاروخية، والطائرات دون طيار، وحفر الأنفاق، ومضادات الدروع؛ إن الضفة الغربية التي تفتقر لهذه القدرات ما زالت تؤرق الاحتلال، رغم ما تواجهه من حملات متعددة الأشكال لاستهداف أي بنى تنظيمية للمقاومة، ما يجعل أي حديث إسرائيلي بتحميل الانسحاب فقط مسئولية تفاقم المقاومة، دون الأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال؛ هروبًا إلى الأمام، دون اعتراف بالحقائق على الأرض.