فلسطين أون لاين

أعدمه جنود الاحتلال بمسدس كاتم للصوت

مَنَعَ جنود الاحتلال إسعافه 40 دقيقة.. روح الشهيد "شحام" صعدت أمام والده

...
شقيقة الشهيد الشاب شحام تحمل في يديها ملابس شقيقها الغارقة بالدماء
غزة/ يحيى اليعقوبي:

طرقات متواصلة على باب المنزل عند الثالثة والنصف فجر أمس، مصحوبة بصرخات جنود الاحتلال: "احنا جيش.. جيش"، وصلت لمسامع والدة محمد شحام التي أيقظتْ زوجها بصوتٍ مذعور: "شوف الجيش على الباب!". نهض الوالد من سريره، وقبل أن يصل باب المنزل كان نجله محمد (21 عامًا) قد سبقه إلى الباب تزامنًا مع قيام جنود جيش الاحتلال بتفجير الباب واقتحام المنزل وإطلاق الرصاص بشكل عشوائي، الأمر الذي أصاب محمد برصاصة استقرت في رأسه انطلقت من مسدس كاتم للصوت من أحد الجنود.

سقط محمد على الأرض مُضرجًا بدمائه، هرع إليه والده إبراهيم شحام يحاول وقف نزيف الدماء المتواصل من رأس ابنه، كان يسمعُ شهقات محمد الأخيرة وتتابع أنفاسه الخافتة وهو يحتضر.

40 دقيقة بلا إسعاف

استنجد الأب بالجنود أنفسهم لنقله للمشفى، أو للسماح له بإسعافه، كان يتصل على الإسعافات، يصرخ، ينادي على أي أحدٍ، يساعده في إسعاف ابنه، ولكنّ جنود الاحتلال زادوا في جريمتهم برفع قدمي محمد وهو مصاب على مغسلة المياه وجعلوا رأسه للأسفل حتى تتصفى دماؤه.

تدخّلت أمه، أمسكت بيدَي ابنها كأنها تقول له: "لا عليك أنا هنا!" تشعره بالأمان تحاول ضمه إليها غير آبهة بالجنود حولها، فنظر إليها وابتسم، كانت تسمع أصوات أنينه، لكنّ الجنود دفعوها لداخل المنزل ومنعوها من الاقتراب منه، مُشهرين السلاح في وجهها ووجه والده، ثم أبعدوها هي وبناتها للشقة المجاورة.

مرّتْ أربعون دقيقة على هذا الحال، حتى فاضت روح محمد شهيدًا، وسكنتْ آخر أنفاسه وأغمض عينيه أمام والده الذي أطلق تنهيدة شقّت صدره شطرين، انهمر بالبكاء وكأنَّ قلبه ينزفُ دمًا؛ يصرخ "ابني استُشهد" وصل صوته لباقي أفراد العائلة، حمل الجنود جثة ابنه وغطوه وأخذوها معهم، تاركين خلفهم آثار جريمتهم.

أطلّ الصباحُ حزينًا على منطقة "كفر عقب" بالقدس المحتلة، تعالت مآذن مساجدها تنعى محمد، وتبكي فلسطين ابنًا من أبنائها وضحية جديدة من ضحايا إعدام قوات الاحتلال لأبناء الشعب الفلسطيني، لكن هذه المرة كان الإعدامُ داخل البيت وعلى مرأى ومسمع أفراد العائلة.

آثار دماء على سترة خضراء، يحملها والده أمام عدسات الكاميرات والجيران، ستبقى شاهدة على دموية جنود جيش الاحتلال وبطشهم بقتل شاب لم يتجاوز عمره واحدًا وعشرين عامًا أمام والديه، ومنع إسعافه.

بعينَين محمرَّتين، يشير والده نحو آثار الرصاص الذي ارتطم بالجدران قائلًا: "عندما فجروا الباب، بدؤوا بإطلاق الرصاص، أصابت واحدة رأس محمد وكان واضحًا أنهم جاؤوا لتصفية ابني، دخلتُ الغرفة حينها، ابني الآخر كان يدرس فأغلق الباب على نفسه، ولدي ابنان من ذوي الإعاقة البصرية "مكفوفان" تعرّضا للضرب، أحدهما قال للجنود وهو يعرض بطاقةً تفيد بإعاقته: "ما بطلعلك تضربني"، لكنهم واصلوا الاعتداء عليه".

بصوته المقهور: "لو أنهم معنيون بإسعافه، لما رفعوا قدميه على المغسلة، فجيش الاحتلال معروف أنه يصطحب إسعافًا في مهمات جنوده، تحسُّبًا لتعرض أحد الجنود للإصابة".

يُفنّد والده ادّعاءات جنود الاحتلال بأنه حمل سكينًا: "هم كاذبون، شخص مستيقظ من النوم من أين سيحمل السكين؟"، مؤكدًا أنهم فقط يريدون إيجاد مبررٍ للكذبة، ورغم ذلك "سنبقى هنا مزروعين، فابن عمه استُشهد قبل خمسة شهور والآن ابني، لن نرحل".

خطأ لا يعيد الحياة

"أخطأنا المنزل".. هكذا ردَّ أحد الجنود بكل هذه البساطة على والدة الشهيد بعد إعدامه بدمٍ بارد وهي تبكي، تعلق وهي تحتضن يديها وتضمهما إلى صدرها وسط جموعٍ من المعزيات يجهشن بالبكاء معها: "صرختُ في وجههم فأخبرني أحدهم أنهم جاؤوا إلى البيت بالخطأ، وأنّ الرصاص بالخطأ، رغم تفجيرهم المنزل وقتل محمد دون سابق إنذار وإطلاق عدة رصاصات واحدة على رأس محمد، ولولا احتماؤنا خلف جدران الغرف لكنا شهداء.

رافق صوتها بكاء يهزُّ قلوب المعزين: "ابني لا علاقة له بأيّ شيء، راح قلبي، وسندي: قتلوه، لم يفعل شيئًا، ما ذنبه!؟".

تستذكر آخر اللحظات: "بالأمس حلق شعره وهذّب لحيته، وأوصلنا إلى عرس أحد أقربائنا، وعندما انتهى الفرح قام بإيصالنا إلى البيت، وذهب للنوم، قلبي راضٍ عنه، ابني حبيبي" قالتها بحرقة وحسرة تتجمع بداخلها كل عبارات القهر.

تحمل شقيقته الصغيرة ريماس قميص شقيقها، ما زالت علامات الصدمة تسيطر عليها: "استيقظت على صوت أختي تخبرني بقدوم جيش الاحتلال، لم أكن أصدق حتى سمعت والدي ينادي أن أخي استشهد، فأخفيت رأسي تحت الملاءة خوفًا من الجنود، خشيتُ أن يتم إعدامنا أيضًا أنا وشقيقتي، ثم جاءت أمي وذهبنا لبيت الجيران".

محمد يحمل دبلومًا صناعيًا في التكييف والتبريد من معهد قلنديا، وهو شقيق لخمسة آخرين، ثلاثة منهم مكفوفين: سند (23 عامًا)، وأحمد (20 عامًا)، وريماس (12 عامًا)، استُشهد في الخامس عشر من مارس/ آذار الماضي، ابن عمه علاء شحام شهيدًا خلال مواجهات بمخيم قلنديا، والآن تجاور روحه ابن عمه.