فلسطين أون لاين

بالصور "وراء الجدار دار".. ترجمة توثيقية لمدينة مزقها "الأبارتهايد"

...
صور من رصد عدسة المصور إلياس حلبي
بيت لحم/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

جدار الفصل العنصري الجاثم بالقرب من منزله والذي فصله عن جيرانه وامتداده العائلي، وسلب الأراضي من حوله، ومزقّ أحلام الكثير من العائلات الفلسطينية وأصابها بالحسرة على أراضيها وممتلكاتها، كان وما زال جزءاً أساسياً من صلب العمل الفني للمصور إلياس حلبي "38 عاماً".

عشرين عامًا هي عمر جدار الأبارتهايد، رصد خلالها حلبي بعدسته التغييرات الهائلة التي أحدثها على صعيد الحياة في مدينته بيت لحم وكيف غيّر وجه الحياة فيها بشكل كبير.

من بيته الذي لا يبعد عن الجدار سوى خمسين متراً، يستذكر حلبي كيف كانت المنطقة قبل الجدار وجيرانه الذين سلبهم الاحتلال منازلهم فهاجروا أو ماتوا كمداً وقهراً، فتفرق الناس وفقدوا أراضيهم.

ومن فتحة في الجدار لا تتجاوز السنتيمتر الواحد استطاع حلبي أن يصور منزل جاره القديم الذي أبعد أصحابه عنه عنوة، فهاجر بعضهم خارج فلسطين، في حين بقي واحد منهم فقط في بيت لحم، توفي لاحقًا في إثر القهر الذي تملك قلبه؛ إذ كان لا يستطيع الوصول إلى منزله سوى نصف ساعة يومياً بعدما يمكث لساعات قرب الجدار، وتحت إلحاحه يمنحه جنود الاحتلال تلك المدة البسيطة.

وراء الجدار دار (5).jpeg
 

من قصة جاره اختار حلبي أن يترجم مؤخراً معاناته مع الجدار في معرض بعنوان "وراء الجدار دار" في بيت لحم، ليكون معرضاً مختلفاً عن غيره من المعارض الفردية والجماعية التي اشترك فيها داخل فلسطين وخارجها.

يشرح بالقول: "بالعادة أستخدم التصوير التوثيقي لرصد حياة الفلسطينيين من نواحٍ أخرى غير التي يتناولها الصحفيون عادة فأصور المناطق السياحية والدينية والحياة اليومية للناس، فكان هذا المعرض مختلفاً عن عملي المعتاد".

صعوبة التنقل

ويشير إلى أنه بدأ توثيق التغيير الهائل الذي أحدثه الجدار في حياة الناس منذ لحظة إقامته في عام 2002م، فصور البيوت في الجهة التي يسيطر عليها الاحتلال وشجر الزيتون الذي تم مصادرته والطريق الذي كان يصل بين بيت لحم والقدس والخليل كما صور المستوطنين وراء الجدار.

أراد الحلبي أن يوصل بعدسته أن للفلسطينيين أراضي وراء الجدار ولديهم أمل في هدمه والوصول إليها، "فكل مناحي الحياة تغيرت هنا بسببه، فهو لم يفصل فقط بين الناس، بل جعلهم بحاجة لتصاريح قد لا يحصلون عليها طوال حياتهم للتنقل.

يزيد بالقول: "أنا مثلًا من مواليد القدس، كانت الطريق بين بيت لحم والقدس مفتوحة دون أي عوائق وكانت النساء من الضفة يذهبن للولادة فيها، اليوم لا أستطيع دخولها سوى بتصريح ولا أحصل عليه أصلاً".

ويدحض حلبي من خلال صوره الحجة الأمنية التي يحاجج بها الاحتلال لبناء الجدار، مبينًا أن الهدف فقط كان الاستيلاء على أكبر قدرٍ من الأرض لصالح (إسرائيل)، "وهذه الأراضي أصحابها محرومون من دخولها، البعض منهم يدخلها بتصاريح خاصة لمدة يوم أو يومين خلال موسم قطف الزيتون فقط".

وراء الجدار دار (3).jpeg
 

في عام 2014 أقام حلبي معرضاً للصور عن الجدار بطريقة مبتكرة تمثلت بعرض صور مباشرة لمدة ثلاث ساعات، "أردتُ أن يأتي الناس لرؤيته على أرض الواقع".

أما المعرض الحالي فيقيمه أيضاً في (فندق الجدار) "واليد اوف هوتيلز" المشهور عالمياً بأنه صاحب إحدى أسوأ الإطلالات في العالم، فشبابيكه تطل على الجدار مباشرة.

ويوضح أن الفندق وغرفه قطعة فنية متكاملة، فيه لوحات لفنانين عالميين كـ"بانكسي"، ويضم معرضًا دائمًا لفنانين فلسطينيين كبار وناشئين ومتحف يروي الرواية الفلسطينية عن التهجير والاستيطان.

صور من غزة 

ولفت إلى أن معرض "وراء الجدار دار" يأتي في الذكرى العشرين لإنشاء الجدار العنصري، "إيماناً من القائمين على المعرض بأن الفن أداة مهمة جداً في توصيل رسالة الشعب الفلسطيني، فكثير من الناس حول العالم تهتم بالفن؛ ما يجعله طريقة مهمة لتوصيل رسالتنا".

وراء الجدار دار (4).jpeg
 

ويعكف حلبي حاليًا على الإعداد لمعرض صور عن غزة التي زارها لمدة أربعة وعشرين ساعة قبيل شهرين، "فكما نعيش هنا في سجن بسبب الجدار والحواجز، فغزة أيضاً في سجن بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، كلنا -الفلسطينيين- مسجونون، لكن مع تفاوت الأحداث هنا وهناك".

ويستدرك بالقول: "انعدام التواصل الجغرافي جزء من ظلم كبير يفرضه الاحتلال علينا بصفتنا شعبًا واحدًا (...) وأؤمن بأن الفن كفيل بتقريب المسافات".

ويمضي بالقول:" نرى في الإعلام فقط الظلم الذي يقع على غزة، لكن لا نملك شيئاً عن سير الحياة اليومية فيها، هذا ما أريد إيصاله لأهل الضفة من خلال المعرض الذي أجهز له".

وراء الجدار دار (2).jpeg
 

ويبدي حلبي أمله أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه الشعب الفلسطيني في مختلف أنحاء وطنه من التواصل دون احتلال، فيتناول الفلسطيني الفطور على بحر غزة ثم الغداء في القدس، ويُتبعه بحلوى نابلس.