يتنفس فجر يوم الجمعة والجموع الهادرة تؤم المساجد في مدينتي نابلس والخليل إضافة لفجر الأقصى العظيم، لتشهد منافع الحرية والتعبير الحرّ الصادق عما تكنّه صدورهم، هنا في هذه الصدور تصنع إرادة الحرية على عين الله، تخرج مبكّرة، ومع تمايز الخيط الأبيض من الأسود ينبعث الناس من بيوتهم، يهرعون بحبّ وشغف إلى عبادة رب واحد، تلفظ من صدورهم كلّ محاولات الخضوع لكلّ الأرباب المصطنعة، فلا الاحتلال ولا كلّ العالم الذي يقف خلف الاحتلال ولا الذين يتبعون بشكل أو آخر للاحتلال قادرون على بسط أيّ نفوذ على هذه القلوب التي نهضت مكبّرة ومعظمة لمعبود واحد هو رب السماوات والأرض، وهو الذي يريد لعباده أن يعيشوا أحرارًا كما خلقهم أحرارًا وجعل أمهاتهم تلدهم أحرارًا.
في حواري وأزقة نابلس عبق الشهداء يسير معهم ويملأ صدورهم، تزكم أنوفهم رائحة دماء إبراهيم النابلسي ورفاقه الشهداء التي ما زال مسكها هو المسيطر على المكان، يقولون بلسان حالهم: نحن على العهد شهداءنا الأبرار، نسير على دربكم ولا نحيد، أنتم لنا البوصلة ولن تذهب دماؤكم هدرًا، سيدفع الاحتلال الفاتورة عالية، لأن دماءكم غالية، ولأن أرواحكم هي الأعلى والأعز والأكرم على الله، خطواتنا الصباحية في هذا الفجر العظيم ما هي إلا تعبير وتصميم وتصعيد في طريق الحرية وتحرير البلاد والعباد، تثوير من أعماق أعماقها وتحريض وتحفيز للمؤمنين على القتال، شئنا أم أبينا فإن صلاة الفجر تقول لنا وتهمس في قلوبنا وتبثّ في روعنا أن طريق الشهداء الذين أنعم الله عليهم لن تلتقي أبدًا مع طريق المغضوب عليهم ألدّ أعداء الله، ولا الضالين الذين فقدوا البوصلة وضلّوا الطريق، سيبقى الاشتباك قائمًا ولن تضع الحرب أوزارها إلا بإعادة الاعتبار لدماء الشهداء كاملة غير منقوصة.
ويستقبل الحرم الإبراهيمي في الفجر العظيم جموع الأحرار ليعانقهم ويبث في روعهم دعوة إبراهيم الخليل بنسختها الصادقة الحقيقية بقوة دفع يحمل قوامها الأنبياء والمرسلون كافة إلى أن تصل خاتمهم العظيم، ويتكوّن بذلك أعظم ردّ على كل الذين يدّعون انتسابهم للدعوة الإبراهيمية ويرتكبون في ذات الوقت كلّ الموبقات وعلى رأسها الظلم الفاجر الذي يصبونه صبًّا على رأس الشعب الفلسطيني، هذا الفجر العظيم في مدينة الخليل هو الردّ السلمي والروحي والإنساني والحضاري الجميل على صورتهم البشعة المقيتة، وهي نقطة البداية التي تنذر بالنهاية الحتمية لكلّ الأشرار الذين يمارسون الجريمة على أرض فلسطين وأينما وجدت هذه الجبلّة النكدة وأينما تجمّع شذّاذ الآفاق في أي بقعة على وجه البسيطة.
لا بدّ من تعميم هذه التجربة لتمتدّ ولتشمل كلّ ربوع فلسطين، في كل المدن والقرى والآفاق، ولتكن صلاة الفجر يوم الجمعة مقدمة لشهود الفجر في كلّ الأيام ولتستمع القلوب إلى قرآن الفجر الذي يصنع الحرية ويزرعها أعظم زرع في قلوب الأحرار: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ.