ثلاثة أيام (الجمعة والسبت والأحد) هي مدة المعركة الأخيرة التي فرضها العدو الصهيوني على غزة وتحديدًا على الجهاد الإسلامي، والتي بدأت عصر الجمعة في 5/8/2022م وانتهت الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء الأحد، بوقف الأعمال القتالية والعودة إلى التهدئة، وفتح المعابر، برعاية مصرية تعمل المستطاع للإفراج عن العواودة وبسام السعدي.
لم تطل هذه المعركة، ولم تنخرط فيها كل فصائل المقاومة بشكل مباشر، وإن شاركت الغرفة المشتركة في توجيه قرار المواجهة والتصدي، كما صرحت بذلك شخصيات قيادية. ويمكن استخلاص العبر والدروس التالية من هذه المعركة:
١- المعركة بدأها العدو بقصف مباغت لأهم شخصية عسكرية في سرايا الجهاد الإسلامي، أسفرت عن قتله وقتل مرافقه، في شقة سكنية وسط مدينة غزة. وهذا يعني أن هذه الشخصية كانت تحت رقابة إسرائيلية حثيثة ومتمكنة، وتحت رقابة مساندة يقدمها عملاء يلاحقون هذه الشخصية القيادية تحديدا، وأن شطر المعركة ربحه العدو في لحظات.
٢- إن المعركة التي يبدؤها العدو بالضربة الأولى، تكون عادة ضربة موجعة لنا، وتعمل في صالح العدو، الذي حدد الهدف، والزمان، والمكان، وتحكم في أرض المعركة. وأنه لمن الخطأ القبول بمعركة هذه صفاتها بدافع الانتقام لشهداء الضربة المباغتة، وردع العدو، لأن النتائج تكون لصالح العدو، ولأن المعارك عادة تقوم على فكرة الكر والفر، والعودة للكر والفر، فإن قرار إحباط تخطيط العدو هو من القرارات الحكيمة، ومن القرارات العسكرية التي تفرض نفسها أحيانا في الميدان، وهذا القرار لا يخضع لمفهوم الخوف والجبن البتة.
٣- إن التهديدات التي تصدر من فصائل المقاومة من خلال وسائل الإعلام يتلقاها العدو، ويوظفها في خدمة اعتداءاته ومعاركه مع غزة، ويدفع بها للساحة الداخلية والدولية كمبرر لعدوانه، ولقراره بالبدء في معركة استباقية مباغتة. إن مسألة التهديد تحتاج لمراجعة، لأنها سيف ذو حدين، لا سيما إذا لم يتبعها فعل قتالي في غضون ساعات، على نحو يحرم العدو من الاستعداد. ولقد علمونا أن الفعل أبلغ من الكلام، وإن القوة فيما يراه العدو من بأس المقاومة، لا ما يسمعه من تهديدات.
٤- يلاحظ أن العدو طبق شعار فرّق تسد في هذه المعركة، وأن بعض المواطنين تعاطى مع هذه الاستراتيجية، فأثنى على السرايا، ولام الآخرين، وأعطى العدو ورقة رابحة بقوله، والأصل هو تفويت الفرصة على العدو، وهدم إستراتيجيته هذه، وذلك بالتمسك بالتصريحات الصادرة عن الغرفة المشتركة، التي تشكلت أصلا من عِبر مستخلصة من معارك سابقة.
٥- لقد أسمى العدو معركته بـ (الفجر الصادق) بشكل مبكر ليوحي لغزة أن المعركة طويلة وممتدة، وهذه التسمية بعض من المناورة في الخطة العسكرية، واللافت للنظر أن الجهاد الإسلامي لم يسمي هذه المعركة، كما اعتاد أن يسمي المعارك الأخرى، وعليه سيكون عنوان العدو (الفجر الصادق) هو العنوان الوحيد الذي تعتمد عليه وثائق جوجل ووسائل الإعلام الجديد، وكان الأجدر بالجهاد الإسلامي هو تسمية المعركة من طرفه تسمية يعنون بها وثائقه، ويزاحم العنوان العبري في وسائل الإعلام وسجلات التوثيق.
٦- لقد كشفت المعركة عن اعتماد العدو على المعلومات الاستخبارية بشكل كبير عند اتخاذه قرار البدء بالقتال، وأنه لا يبدؤه بدون هذه المعلومات، وتبين لنا أن استخبارات العدو امتلكت معلومات تفصيلية ودقيقة عن الأهداف التي قصفها، الأمر الذي يحتاج لجهود كبيرة لتنظيف غزة من العملاء، ولزيادة إجراءات إخفاء القادة، والتمويه، على العدو وعلى العملاء، وإلى حاجة الفصائل إلى إخفاء أسماء القادة، ومناداتهم بأسماء حركية، وتبديلها من خلال مراجعات أمنية، لأنه ثبت أن عائلة القائد، ومكان سكنه، وسكن أهله هي من نقاط الضعف، وهي تخضع لمراقبة دائمة من العدو والعملاء.
هذه استخلاصات شخصية استخلصتها من المتابعة الشخصية لهذه المعركة والمعارك السابقة، وأرجو أن يكون فيها ما يفيد، ويستحق، وأقدمها حسبة لله لا نقدا لأحد، وما توفيقي إلا بالله. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.