بعد ساعات من اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يمكن القيام بعملية سريعة لرصد أهم أهدافه وأغراضه الاحتلالية، الإسرائيلية الداخلية منها، أو الخارجية الفلسطينية، والإقليمية والدولية، والاحتلال يعلم تماما أن ردود الفعل السياسية على هذا العدوان تجعل منه ذا تبعات ونتائج تتجاوز الحدود...
تلاقت جملة أهدافٍ سياسية وعسكرية وحزبية إسرائيلية في آن واحد إبان تنفيذ هذا العدوان على غزة، ويمكن تركيزها في سعي آلة الحرب الإسرائيلية ممثلة بالجيش إلى تحقيق هدف مفاده تدفيع المقاومة ثمناً باهظاً لأنها فرضت حظر التجوال على مستوطنات محاذية لغزة، لعدة أيام، وأرادت فرض معادلة على الاحتلال، ما ساهم في بث مشاهد الذعر والرعب التي عاشها المستوطنون على مرأى ومسمع من كل العالم.
كما دأبت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على تحديث بنك الأهداف الخاص بالمقاومة، وَتَحيَّنت الفرصة لاستهدافها، وتوجيه ضربات قوية لها، خصوصاً القدرات العسكرية، سواء الإمكانات الصاروخية، أو شبكة الأنفاق وسواهما، مع أن جيش الاحتلال استغل أي فرصة للتصعيد الخاطف في غزة لاستهداف تلك المواقع من خلال سياسة "جز العشب"، لكنه هذه المرة أراد توجيه ضربات قوية موجعة للمقاومة تزيد على تلك الضربات الخاطفة.
لقد رأى المستوى السياسي الإسرائيلي ممثلا برئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد، وهو يتحضر لخوض الانتخابات المقبلة، ويصارع للبقاء رئيساً للحكومة القادمة، أنه أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتفويت الفرصة على خصمه بنيامين نتنياهو، ولذلك بدأت تخرج اتهامات إسرائيلية مفادها أن هذه الحرب في مجملها بدفع من لابيد، كي تخدمه في مساعي استقرار حكومته، وفوزه في الانتخابات القادمة.
تشير وقائع العدوان الإسرائيلي إلى أن لابيد الذي أصدر قراره بالشروع في هذا العدوان على غزة، ربما قدَّر أن المقاومة سترد بقصف مستوطنات محاذية لغزة، أو مدينتي عسقلان وأسدود شمال القطاع، فيرد الجيش بقصف بعض مواقع المقاومة، وتنتهي المسألة خلال يوم أو يومين، لكن الموضوع ربما يخرج عن سيطرة الاحتلال، وفي هذه الحالة قد تمتد المواجهة زمانياً إلى مزيد من الأيام، وتتسع جغرافياً، وهنا ربما "ينقلب السحر على الساحر".
لم يكن غريبا أن يسعى الاحتلال لتحصيل مزيد من التوافق الذي لم يتكرر كثيراً في عدوانات سابقة، بما في ذلك الدعم السياسي والحزبي، رغم حالة الاستقطاب الداخلية الحادة بسبب بدء العد التنازلي للانتخابات المقبلة؛ وفي المقابل، فقد أعلن الاحتلال هدفا غير سرّي تمثل بكسر حالة الإجماع الفلسطيني خلف المقاومة، ومحاولة الاستفراد بالجهاد الإسلامي دون بقية الفصائل، حتى جاء توافق غرفة العمليات المشتركة بالضرب بيد واحدة ضد الاحتلال، وإفشال هذا المخطط الاحتلالي.