فلسطين أون لاين

"الأغا" يحدد سبيين لظهورها بكثرة

تقرير القناديل تغزو الشاطئ وتفسد متعة السباحة على المصطافين

...
قناديل البحر على شاطئ بحر غزة - أرشيف
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تدفع حرارة الصيف اللاهبة والرطوبة العالية بآلاف المواطنين في قطاع غزة إلى شاطئ البحر هربًا من المساحات المعيشية الضيقة، لكن الاصطياف في شهر يوليو وأغسطس محفوف بالحذر من المتربص الأبيض الذي يفسد عليهم متعة السباحة.

لم تكن أعداد القناديل قليلة لحظة وصولنا، ولم تكن أحجامها صغيرة كذلك، ترى شابًا هنا وآخر هناك وغيرهم يخرجون من البحر بشكل متزامن يحملون قناديل ويلقونها على رمال الشاطئ، يتكرر هذا المشهد على مدار الدقيقة الواحدة أكثر مرة.

يحمل "أبو عبد الله" وهو شاب في نهاية الثلاثينيات، قنديلًا، أمسكه ببطن كفيه من ظهره ورفعه للأعلى بشكلٍ مائل للأمام حتى لا تصل إليه أذرع القنديل اللاسعة وهو يحاول إخراج القنديل الرابع في عدة دقائق من دخوله للسباحة.

بعد أن ألقاه وقبل عودته للشاطئ استوقفناه قليلًا، ثم غسل يديه بالماء، وضحك: "للأسف، يومنا في السباحة فشل!".

العيون في الماء

يذهب نظره على القنديل الذي أخرجه للتو وبدا كبيرًا، يشير نحو ساقه التي أصابتها لسعة طفيفة، معلقًا: "هذا الحجم يمكنه أذيتنا كما ترى، وخاصة الأطفال، لذلك نسبح بحذر وعيوننا في المياه، خاصة أن نسبة أعدادها كبيرة، ولا نستطيع السباحة في الأمام خوفًا على الأطفال".

وليد أبو ظاهر (13 عامًا) جاء من مصر لإمضاء فترة الصيف عند شقيقته في غزة، وكان البحرُ ملاذهم للاصطياف والاستمتاع بالسباحة، لكن القناديل لم تترك له مجالًا وأخرجته من الماء متألمًا ومصابًا بحروق لسعاتها.

يكشف عن ذراعه التي تحمل أثر طفح جلدي وانتفاخات ناتجة عن اللسع الحارق والذي بدا على شكل خيوط متداخلة.

يقول: "كنت داخل المياه، ولم أرَ القناديل، فتعرضت للسعة قوية جدًا، لم أستطع تحمل آلامها، فخرجت من الشاطئ بسرعة، وكنت أصرخ من شدتها".

ورغم ذلك يصف وليد مبتسمًا، أجواء الاصطياف على بحر غزة بأنها رائعة.

واستطاع علاء أبو رحمة إخراج عشرة قناديل، وبدا ماهرًا في غرس بطن كفيه في الماء والإمساك بالقناديل ورميها على رمال الشاطئ. كان أطفاله والناس حوله ينادون عليه لحظة اقتراب أي قنديل منهم، فيهرع للإمساك به، إذ تطوع طوال الوقت لإخراجها بعدما أفسدت عليه متعة السباحة.

يعلق بعفوية بعدما رمى أحد القناديل ونفضى يديه: "بتلاقيها جنبك فجأة، مش ملاحق أطلع وأرجع".

يقول: "كان البحر ممتعًا، والمصطافون جاؤوا ليستمتعوا بأوقاتهم، لكن المشكلة هي وجود القناديل، فلم نستطع السباحة، فإذا هربت منها لا تستطيع الهرب من سائلها الذي تقذفه بالمياه، فتسلعك وتلسع أطفالك، والمشكلة أنها تستمر بالمياه حتى شهر سبتمبر وأحجامها الكبيرة مخيفة".

مع رحيل الشمس، علا صوت المنقذين يطلبون من المصطافين الخروج من البحر، فبدأ المصطافون يستمتعون بأنغام أهازيج تصدح أصواتهم بها، أو في جلسات سمر بين العائلات تحت الأنوار المنبعثة من مصابيح الاستراحات الشاطئية على رمال البحر التي امتلأت حتى ساعات متأخرة، يهربون من أزمات كثيرة تلاحق أهل غزة نتيجة الحصار وانقطاع التيار الكهرباء، نحو البحر متنفسهم الوحيد.

ويعد قنديل البحر من الكائنات البحرية الرخوية الذي يتميز بوجود أذرع توفر له الغذاء والحماية والحركة وهي نفسها تحتوي على خلايا لاسعة، ويعرف بحساسيته البالغة للتغيرات في درجات الحرارة، لذا فإن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وزيادة تلوث الشواطئ بالملوثات العضوية تدفعه للخروج نحو الشاطئ.

وقد تسبب لسعة القنديل أعراضًا موضعية، كطفح جلدي بسيط، ثم تزيد إلى الحساسية الشديدة، وانتشار الانتفاخات الناتجة عن اللسع والألم الحارق، ويظل الألم لمدة حوالي نصف ساعة على حين تظل آثار اللسعة لمدة يوم تقريبًا، قبل أن تزول.

أسباب وجودها

بحسب رئيس سلطة البيئة بهاء الأغا، فإن القناديل هي كائنات بحرية موجودة منذ القدم في البحار، لكن في السنوات العشر الأخيرة بدأت تظهر على شاطئ غزة كثيرًا، خاصة في منتصف شهر يوليو/ تموز حتى منتصف أو نهاية آب/ أغسطس.

ويحدد الأغا في حديثه لصحيفة "فلسطين"، عدة أسباب رئيسة لظهورها على الشاطئ بهذه الأعداء وزيادتها، الأول متعلق بالتغير المناخي وارتفاع في درجة حرارة مياه البحر، والأمر الثاني بوجود شبه انقراض للسلاحف البحرية التي تعد العدو الطبيعي للقناديل، فالسلاحف تتغذى على القناديل، لكن مع تناقصها الحاد أدى لانتشار القناديل.

ويلفت إلى أن السلاحف البحرية تضع بيضها على الشاطئ وعندما يفقس البيض تتجه صغارها مباشرة نحو البحر، لكن وجود كثافة الناس على شاطئ غزة لا يسمح لهذه العملية بالحدوث.

ويذكر الأغا، أن القنديل هو مواد عضوية ويمكن استخدامها كأسمدة نظرًا لاحتوائها على البروتين، و"المشكلة في لسعاتها المؤذية التي قد يتأثر بها الجلد لعدة شهور، إضافة لتدمير مواسم الاصطياف لمدة ليست بسيطة"، مبينًا أن وضع حمض "الخل" على مكان الألم يعمل على مداواة الحروق وتخفيفها.

ويشير إلى أن هناك دولًا لديها إمكانات تنظم حملات وبرامج لإبعادها عن الشواطئ، باصطيادها في شباك ضخمة، وتمشيط الشواطئ دوريًّا قد يكون يوميًّا، لكن هذه الإمكانات غير متوفرة في غزة.