تشهد القدس المحتلة تزايدًا في وتيرة اعتقالات قوات الاحتلال الإسرائيلي للمقدسيين، وتكثيف اقتحامات المسجد الأقصى، منذ أن مُنيَت سلطات الاحتلال بالهزيمة أمام إرادتهم، واضطرت إلى إزالة البوابات الإلكترونية والمسارات الحديدية التي كانت مخصصة لتركيب كاميرات "ذكية" على مداخل الأقصى.
وبحسب مدير نادي الأسير في القدس المحتلة، ناصر قوس، فإن أكثر من 35 مقدسيا اعتقلتهم قوات الاحتلال أول من أمس، فيما يُقدر عدد من تم اعتقالهم خلال الأسبوعين الماضيين بالمئات.
وقال قوس، لصحيفة "فلسطين": "بعد معركة المسجد الأقصى وصمود المقدسيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي، هناك عقوبات متعددة طالت عددا كبيرا من المقدسيين الذي يمثلون أمام محاكم الاحتلال".
وأشار إلى أن الاعتقالات "أمر متوقع وجزء من سياسة العقاب الجماعي" تشمل هدم البيوت وفرض الضرائب ومحاولة التشويش على حياة المقدسيين.
وأضاف: سلطات الاحتلال "فقدت عقلها من نتائج المعركة الشعبية الأخيرة، وستعاقب المقدسيين بكل طريقة متاحة لها على نجاحهم فيما فشلت به دول كبيرة لم تستطع أن تثني سلطات الاحتلال عن إزالة البوابات (...) الاحتلال يريد معاقبة المقدسيين على وقفتهم وتضامنهم وثباتهم".
وتابع: "سنبقى في أرضنا، وعاصمتنا القدس، حتى لو أخذوا كل أموالنا سنبقى موجودين في بيوتنا".
ووفقاً لقوس، فإن نحو 40 مقدسياً محتجزين في سجون الاحتلال بانتظار المحاكمة، أما مصير البقية فمنهم من تم إطلاق سراحه وأبعد عن المسجد الأقصى، أو عن البلدة القديمة أو مدينة القدس، ومنهم من هو في السجن البيتي.
وعن ذرائع الاحتلال لمحاكمتهم، قال إن الأخير يعتقلهم لأنهم "يرابطون" وهو ما يعتبره الاحتلال "تهمة"، وبحجة إلقائهم الحجارة على جنوده.
وأوضح أن كل أهل القدس كانوا يعتصمون على أبواب المسجد الأقصى، للمطالبة بإسقاط إجراءات السيطرة على المسجد.
وكان نادي الأسير قال إن قوات الاحتلال اعتقلت ليل الأحد الماضي 42 فلسطينيا منهم 30 من القدس المحتلة، مضيفا في بيان له أن "حملة اعتقالات شنتها قوات الاحتلال على أحياء عدة في القدس طالت 30 مواطنا غالبيتهم من حي الطور".
وأفاد بأن حملة الاعتقالات شملت ما يقارب 400 مواطن من القدس خلال الأسبوعين الماضيين أفرج عن غالبيتهم إما بكفالة أو بشرط الحبس المنزلي أو الإبعاد عن الأقصى.
أداة ضغط
من جهته، عدّ رئيس نادي الأسير قدورة فارس، الاعتقالات "ركنا ثابتا ودائما في سياسات واستراتيجيات" سلطات الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني، مبينا أن وتيرة الاعتقالات ترتفع بارتفاع وتيرة المواجهة والنضال الفلسطيني.
وأضاف فارس، لصحيفة "فلسطين"، أن سلطات الاحتلال "تشعر بهزيمة"، موضحا أن الأخيرة وأدواتها وكاميراتها كانت توثق خلال الفترة الماضية الأحداث "كي تنتقم".
وأشار إلى أن الاحتلال لم يستطع تثبيت ما أراد على الأرض من واقع جديد، ولجأ إلى "هذا السلوك الانتقامي" المتمثل برفع وتيرة الاعتقالات وإبعاد العديد من المرابطين والمرابطات عن المسجد الأقصى لفترات معينة وفرض غرامات باهظة، بهدف إثقال كاهل المقدسيين وإضافة أعباء جديدة عليهم في إطار سياسة تفريغ المدينة المقدسة من سكانها تحت وطأة الضغوط التي يتسبب بها الاحتلال.
ونوه إلى أن هذه السياسة الاحتلالية مستمرة منذ عقود في القدس، لكن المقدسيين أثبتوا أنهم المرابطون والمدافعون عن المدينة، مشددا على ضرورة أن تفكر كل الأطر والقيادات والأحزاب والأمة العربية والإسلامية في كيفية تعزيز صمودهم.
وتابع: "لا يكفي فقط أن نراهن على إيمانهم وصبرهم وثباتهم، بل يجب أن تكون هناك مقومات لهذا الشباب المرابط"، لافتا إلى أن دعم صمود المقدسيين لا يكون فقط من خلال الدعاء والتمنيات.
تغيير الواقع
في غضون ذلك، قال مدير الأقصى الشيخ عمر الكسواني، إن 1080 مستوطناً اقتحموا المسجد، أمس، فيما تسمى "ذكرى خراب الهيكل" المزعوم.
وأضاف لصحيفة "فلسطين"، أنه "كانت هناك تحريضات من المتطرفين" على اقتحام الأقصى، وتم تنفيذ ذلك "من أجل تغيير الواقع في داخل الأقصى".
لكن الكسواني أكد أن "هذا لا يعطي الحق للمتطرفين ولا لشرطة الاحتلال فيما تقوم به من استفزازات داخل الأقصى".
وأوضح أن الشعب الفلسطيني بما فيه أهل القدس هو شعب مرابط، وأن المقدسيين مهما تعرضوا لأزمات فإنهم هم من يحمون الأقصى في مقابل مخططات الاحتلال التي تستهدفه.
ونبه إلى أن الاحتلال يسعى منذ عام 1967 إلى تغيير الواقع داخل الأقصى، لكن الفلسطينيين يتواجدون بشكل كبير في كل وقت وحين من أجل الصلاة والرباط في المسجد.
ولفت إلى أن إجراءات الاحتلال الأخيرة في القدس فشلت أمام صمود المقدسيين وتواجدهم على أبواب الأقصى.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي منعت في 14 يوليو/تموز الماضي، لأول مرة في تاريخ الأقصى منذ سنة 1969، إقامة صلاة الجمعة في باحات الحرم القدسي الشريف، وقرر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو آنذاك نصب بوابات إلكترونية وتركيب كاميرات مراقبة خارج الأقصى، قبل أن تتم إزالتها بفعل الضغط الشعبي الفلسطيني.
يشار إلى أن لجانا متخصصة من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، تعمل على "جرد" مقتنيات المتحف الإسلامي ومركز ترميم المخطوطات بعد الاقتحامات المكثفة التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى وباحاته مؤخرا.
وقال مدير متابعة شؤون القدس والأقصى في وزارة الأوقاف الأردنية عبد الله العبادي في تصريح سابق لصحيفة "فلسطين"، إن هناك أضرارا ناجمة عن اقتحام المسجد الأقصى لكن حجمها غير معلوم بعد.