لا يستطيع المرابط المقدسي محمد العمري إحصاء عدد المرات التي تلقى فيها مخالفات مرورية من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، كإجراء انتقامي وأداة يستخدمها الاحتلال بحق النشطاء والمرابطين المقدسيين؛ بهدف تضييق الخناق عليهم وردعهم عن الدفاع عن الأقصى أو حتى الوصول للفعاليات بأوقات محددة.
اللافت في هذه المخالفات، هي سهولة استصدارها وعدم وجود مسوغ قانوني لها، فمعظمها توجه للناشطين كحال العمري، لمجرد وقوف مركبته في محيط المسجد الأقصى لأداء الصلوات.
ويقول العمري لصحيفة "فلسطين" مستهزئًا بهذه الأساليب الإسرائيلية: إن شرطة الاحتلال "تتفنن" في إصدار المخالفات التي تتراوح مبالغها ما بين 100 شيقل إلى 250 شيقلاً وتزيد لتصل إلى 500 شيقل أو أكثر، مشيرا إلى أن الاحتلال أصدر مخالفة مرورية بحقه قبل شهر.
ورغم أن العمري يحمل رخصة قيادة تفيد أنه "عاجز" أي من ذوي الإعاقة ويسمح له بالمرور إلا أن شرطة الاحتلال أصدرت عشرات المخالفات بحقه، وكلها نتيجة دوره في القدس كناشط ومرابط في الأقصى، فقبل المخالفات المرورية أُبعد عن الأقصى مرات عديدة.
وإضافة للمخالفات المرورية، تقوم شرطة الاحتلال بتأخيره ومنعه من دخول الأقصى بتوقيفه عبر البوابات بانتظار فحص وجود منع بحقه أو إبعاد، حتى تنتهي الصلاة، يعلق على ذلك "هذه سياسة إسرائيلية هدفها المماطلة والاستفزاز وحرماننا من أداء العبادة، لكننا لا نصمت لهم ونعلي صوتنا، وكل هذه المخالفات فداء للأقصى".
شطب هوية
أما الناشط المقدسي صالح دياب الذي يسكن في حي الشيخ جراح، وهو من أقدم السكان بالحي، على مدار عامين ونصف كان يستيقظ كل صباح ويرى مخالفة تضعها شرطة الاحتلال على زجاج مركبته بسبب وقوفها أمام منزله، رغم أنه يحق له ركن مركبته أمام المنزل.
ورغم أن أبو دياب، سكن في الشيخ جراح منذ إنشاء الحي عام 1956 بموجب اتفاقية وقعت بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" والحكومة الأردنية بعد تهجيرهم من بلداتهم عام 1948، إلا أن شرطة الاحتلال لا تعترف أنه من سكان الحي "أي أن هذه المخالفات باتت وسيلة في محاولة شطب هوية المقدسي".
ويقول لصحيفة "فلسطين": على مدار عامين ونصف كنت أستيقظ وأجد المخالفة على زجاج مركبتي، وعندما أذهب لمراجعتهم عن السبب يقولون لي: إنك لا تسكن في الشيخ جراح، رغم وجود إيصالات دفع خدمات الكهرباء والمياه.
ويضيف: "هذه المخالفات أرهقتني حتى بت أركن السيارة بعيدًا عن المنزل لكي أتجنب المخالفات".
ويتابع: المشكلة في المخالفات أنك لا تستطيع الامتناع عن دفعها، لأن الاحتلال يحول الموضوع لمحامٍ ويحجز على حسابك، بالتالي لا تستطيع سحب راتبك إلا بعد دفع المخالفة، وأحيانا يصدرون مخالفات دون علمك وهذا أسلوب جديد مستخدم بتصوير لوحة المركبة بواسطة عامل بلدية إسرائيلي أو من خلال الكاميرات، وبعد ثلاثة أشهر تكون المخالفة قد تضاعفت وأنت لا تعلم فيها.
وخلال يونيو الماضي تعرض أبو دياب لثلاث مخالفات، بلغت 1000 شيقل بذريعة دخول مركبته طريقا للحافلات، واصفًا الاحتلال "بدولة مافيا وعصابات، يديرها رئيس لص وحرامي".
وسيلة تنكيل
وبحسب الباحث في شؤون القدس د.جمال عمرو، يستخدم الاحتلال وسائل متعددة ومختلفة للتنكيل بالنشطاء والمرابطين، واحدة من هذه الجرائم هي المخالفات المرورية الباهظة التي تصل إلى 1500 شيقل وتصل إلى سحب الرخصة و"إنزال السيارة" عن الخط أي منعها من السير.
ويقول عمرو لصحيفة "فلسطين": هذه مسألة أصبحت واضحة وشرطة الاحتلال ترصد أرقام لوحات المركبات، كواحدة من أنماط التنكيل، وهناك مخالفات أخطر من المرورية وهي مخالفات تفرض على البيوت، بادعاء مثلا "زيادة في مساحة البيت".
ودلل على ذلك بقيام أحد النشطاء المقدسيين باستصدار رخصة للبناء وكانت غالية جدًا، فدفع الرسوم، لكن الاحتلال ظل يفكر بطريقة لمعاقبته فأصدر أوامر هدم لبيتٍ لم يبنه الناشط بعد.
ولا يترك الاحتلال، والقول لعمرو، وسيلة فيها تنغيص وألم للنشطاء إلا ويتبعها وهذا فيه قهر لهم، مستغلا الظروف المالية الصعبة للمقدسيين وقدراتهم المالية، وبالتالي الاحتلال يهدف إلى معاقبتهم وردعهم عن ممارسة أي نشاط سواء بالدفاع عن الأقصى أو حتى عن الحقوق الإنسانية.
وعن انعكاسات المخالفات على حياة الناشطين، يوضح أيضًا، أن هذه المخالفات تسلب نصف راتب الناشط شهريًا، بالتالي يرهقون كاهل المقدسيين ويجعلونهم في حالة مأساوية اقتصاديًا ونفسيًا وحتى لا يكون هناك ظهر مساعد لهؤلاء قاموا مسبقًا بإغلاق الجمعيات الخيرية حتى أن مساعدة الناشطين ماليًا تعتبر قضية أمنية أو كتجارة السلاح.
الناشط المقدسي فخري أبو دياب أكد أن الاحتلال يستعمل المخالفات كوسيلة من وسائل الضغط النفسي وتنغيص الحياة والضغط على النشطاء لمنعهم من الوصول بأوقات مناسبة للفعاليات بواسطة مركباتهم، معتبرًا ذلك نوعًا من تقييد الحريات وإفقادهم الأمان حتى وهم بداخل مركباتهم.
ويقول أبو دياب لصحيفة "فلسطين": إن الهدف من هذه السياسة منع النشطاء من استعمال وسائل النقل، ومحاولة فرض ما يريده الاحتلال تقييد حريتهم وتضييق الخناق عليهم، وقد تكون سببًا للحجز على ممتلكات الشخص أو مصادرة المركبة ومنعه من السفر.
وحذر من أن هذه السياسة جزء من افقار المقدسيين وسلب حقوقهم المادية، وجزء من العقاب الجماعي عليهم.