فلسطين أون لاين

تقرير في البلدة القديمة بغزة قصور فلسطينية تُعاند الزمن

...
صورة أرشيفية
غزة/ مريم الشوبكي:

للقصور الأثرية جمال أخاذ يُزيّن أحياء وأزقة قطاع غزة، وهي حضارة عمرها آلاف السنين، تضم كنوزًا من مختلف العصور والحقب الزمنية، وهي شاهد على أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه وأن لا مكان للاحتلال الإسرائيلي في التاريخ.

في أحد شوارع حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، تجد قصر السقا الذي تعود جذوره إلى القرن السابع عشر الميلادي، ولا يزال هذا البيت الأثري صامدًا منذ 360 عامًا.

تُبيّن مديرة متحف قصر الباشا الأثري ناريمان خلة أنّ القصر يعود إلى عام 1661 ميلادي، حيث بُني في عهد السلطان محمد الرابع بن السُلطان إبراهيم وتُرخان الذي كان يُلقّب بـ (الصيَّاد، القنَّاص)، كان يجتمع فيه كبار التجار وأهل الاقتصاد قبل أكثر من ثلاثة قرون من الزمن.

وتوضح خلة لـ"فلسطين" أنّ هذا البيت كان ملتقى لتجار غزة وعلى بُعد أمتار منه ملتقى سياسيي غزة الذين كانوا يجتمعون في بيت سعيد الشوا رئيس بلدية غزة الأسبق في نفس الشارع.

وتلفت خلة إلى أنه تم ترميم البيت من قذيفة تعرض لها خلال حرب عام 1948م، وسكنته عائلة السقا حتى ثمانينيات القرن الماضي ثم تركوه ليظلَّ مهجورًا إلى أن جاءت السلطة الفلسطينية عام 1994م حيث تم تسجيله موقعًا أثريًّا في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية كي تهتم به.

وتذكر أنّ البيت كان يُعدُّ دارًا للمناسبات قبل 100 عام تقريبًا سواء للأفراح أو الأتراح لسكان تلك المنطقة لكونه أوسع منزل موجود فيها.

وحول عمارة القصر، توضح أنه يتكون من إيوان واسع حوله ثلاث غرف، ويتوسط ساحة البيت درجان يؤديان إلى أنصاف قباب وأقواس، توضح ما تميزه الحقبة العثمانية من معمار وهندسة، تعبر عن تاريخ وذكريات، نقشت على كل زاوية من زواياه.

نقوش هندسية

وتشير إلى أنّ درج البيت ينقسم إلى شقين، يؤدي كل منهما إلى غرفة معيشة مزينة من الداخل بالأقواس الحجرية، بينما يتم حماية النوافذ الزجاجية بالحديد المقوى، وتتزين غُرة النوافذ بالزخارف الهندسية الفريدة. 

وتلفت خلة إلى أن القباب المقوسة تتدلى منها ثريات قديمة، وتستند القباب إلى أعمدة ضخمة، بنيت من الأحجار الرملية القديمة، بينما تتزين نوافذها القديمة بعدد من القوارير الفخارية، التي تضفي على المشهد مزيداً من الملامح التراثية القديمة.

وحسب النقوش التي وجدت على جدران البيت فإنه بني في عهد الدولة العثمانية لعائلة ميسورة الحال، وهي نقوش فنية هندسية تكررت في البيوت، دليل على أن الفنان كان واحدا أو كانوا ينقلونها من بيت لآخر، وفق خلة.

وتنبه خلة إلى أن باب البيت الموجود حاليا في الناحية الجنوبية هو باب مصطنع، حيث إن الباب الأصلي كان موجودا في الناحية الشرقية لأنه ربما كان الأول يشرف على شارع عام حتى يمنع كشف النساء وربما أغلقوه.

وتلفت إلى أن الساحة السماوية في البيت معلم بارز في فلسفة الفن المعماري التراثي الإسلامي، ميزت كل البيوت الأثرية، لتجلب الإضاءة والهواء في ذلك العصر.

وتبين خلة أن وسط الساحة السماوية تزينت ببلاط رخامي تعددت ألوانه تم جلبه من جبال وسط فلسطين، وخصصت لاستقبال الضيوف، وعلى الجانب الآخر تتعدد غرف المعيشة إضافة للمطبخ والحمام.

وتشير إلى أنه توجد في البيت مساكر أو مغالق تدلل على وجود بئران فيه واحدة للمياه والأخرى مخزن للغلال من حبوب القمح والعدس والشعير وغيرها.

ويشتمل البيت على "مزيرة" تزينت بوجود الأواني الفخارية على سطحها، حيث كان يأتي السقا "بقربة" مصنوعة من جلد العجل ويقوم بتعبئتها حتى الباب ثم تُغطى، ويتم إغلاقها بمغلاق خشبي لمنع دخول الغبار والأتربة.

مركز مجتمعي

ومن جهته يقول مسؤول المشاريع بمركز عمارة التراث –إيوان- محمود البلعاوي: "بيت السقا التاريخي من البيوت الرائعة التي تصنف من فئة القصور، تعود فترة إنشائه إلى ما يقرب من مئتي عام، يقع في حي الشجاعية الذي يمتاز بالازدحام السكاني والأسواق الشعبية، وهي من المناطق التي لا تزال تحافظ على طابعها ونسيجها التقليدي".

ويبين البلعاوي لـ"فلسطين" أن واجهات المنزل بسيطة مصمتة، وهي مبنية من الحجر الرملي، والواجهة الرئيسية لا يظهر منها سوى مدخل المنزل وباقي الواجهات ملاصقة للمنازل المجاورة، وتتميز بارتفاعها الذي يصل إلى 10 أمتار تقريباً، وهي ميزة تميزت بها الأسوار الخارجية للمباني الأثرية لحفظ خصوصية أهل المنزل.

ويشير إلى أن المبنى فريد يحتوي على مجموعة من العناصر الفريدة مثل الفناء الداخلي والخارجي والإيوانات العلوية والسفلية والعقود المتقاطعة والزخارف الهندسية والنباتية، وكذلك بير الغلة الذي يتوسط الفناء الداخلي للبيت وتكثر في جدرانه الداخلية اليوك والخرستانات.

بيت الداية

وفي شرق مدينة غزة في حي الدرج بالبلدة القديمة شمال مسجد الشمعة تحديدًا، يقع قصر الداية الأثري، الذي يُعدُّ نموذجًا رائعًا من الناحية المعمارية والفنية في العمارة الإسلامية.

وتبين خلة أن تاريخ تأسيس البيت يعود إلى العصر العثماني، أما ملكيته فتعود إلى عائلة الخضري، وتبلغ مساحته قرابة سبعمئة وخمسون متراً، وقد خضع البيت إلى عملية ترميم من قبل المالك جودت الخضري.

وتذكر أن البيت يتكون من طابقين اثنين، يضم الأول (6) غرف كبيرة، وإيوانين، وعدة مطابخ، إضافة إلى الدرج الداخلي الذي يقود إلى الطابق الثاني الذي يضم عدة غرف تطل على الفناء الداخلي للبيت وإيوان.

أما الواجهات الداخلية للبيت فهي أجمل ما في البيت، إذ تتميز بجمال الفتحات المطلة على الفناء الداخلي كفتحات الشبابيك، والأبواب، ويوجد داخل البيت ثلاثة سراديب ولكن مغلقة.