الوكالة اليهودية "سخنوت" شبه الرسمية، التي أُسست بهدف هجرة اليهود إلى فلسطين، والتي أنشئت في الربع الأول من القرن الماضي، وفعلت رسمياً في روسيا قبيل انهيار الاتحاد السوفييتي، وكعادته الكيان الصهيوني يتغذى على الصراعات والحروب ويقوم باستغلالها بالشكل السيئ، حيث استغل حالة الضعف وتفكك الاتحاد السوفييتي وعمل على نقل أكثر من مليون مواطن روسي الأصل إلى الكيان الصهيوني وعمل على تجنيسهم في دولة الاحتلال، ويريد الآن تكرار نفس الأفعال باستغلال الحرب الروسية الأوكرانية لنقل المواطنين الروس والأوكرانيين إليه.
فالكيان الصهيوني يعتمد بشكل أساسي في التحدي الديموغرافي الكبير في فلسطين على الهجرة الخارجية، التي تقوم بها فروع الوكالة اليهودية في دول العالم، إذ أن الكيان الصهيوني لا يعتمد أساساً على التنامي الطبيعي للسكان لديه، لتفوق الشعب الفلسطيني في ذلك.
ونشأت الأزمة الحالية المتمثلة في إنذار وزارة العدل الروسية بإغلاق مكتب الوكالة اليهودية داخل روسيا بعد خرقها للقانون الوطني الروسي، حيث أبلغت روسيا الكيان الصهيوني بأنها تعتبر هذا الملف ملفاً قانونياً تجرى إدارته في أروقة الدوائر القانونية، وسوف تنظر المحكمة الروسية يوم غد الخميس 28/7/2022م في الملف.
حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية عبر موقع "روسيا اليوم"، أن من الأسباب التي أدت إلى وقف عمل الوكالة في روسيا، أنها تعمل على جمع المعلومات عن المواطنين، وكذلك سعيها إفراغ العقول الروسية وأخذها إلى الكيان الصهيوني، وفي نفس السياق أعربت وزارة الخارجية عن أسفها للمواقف "غير البناءة" للكيان الصهيوني وللسياسة الذي ينتهجه، وفي المقابل يعتبر الكيان الصهيوني أن أصل الأزمة سياسي وليس قانوني كما تقول روسيا.
ومن وجهة نظري، أن هذه الأسباب لا تُعد جوهرية أو كافية لإغلاق مكاتب الوكالة، لأن هذا هو عمل الوكالة منذ نشأتها في روسيا، إذن فتوقيت القرار يطرح تساؤلات عديدة وينبئ عن توتر العلاقات الروسية مع الكيان الصهيوني، وقد تكون بداية موجة سخط روسي على الكيان الصهيوني ولوبياته الخلفية الضاغطة، وقد يأخذ اتجاهات غير متوقعة وربما الوصول إلى حد القطيعة، والدخول في لعبة لا قواعد فيها أو مبادئ، كما يتم في الحرب جمع السلاح، كذلك يتم تحديد الخصوم والأصدقاء.
فتصبح الأسباب الحقيقية لإغلاق الوكالة اليهودية وإنهاء عملها هو من نتائج الحرب الروسية ضد التحالف الغربي في الساحة الأوكرانية، واصطفاف أدوات ولوبيات الصهيونية العالمية مع التحالف الغربي ضد روسيا، إذ تعتبر الصهيونية هي أهم من خدم المصالح الغربية في توسعها وممكن أن نستدل على ذلك من خلال تصريح رئيس أقوى وأكبر دولة عسكرية مثل جون بايدن خلال زيارته للكيان الصهيوني بأنه صهيوني متشدد، لارتباط المصالح الغربية بالمصالح الصهيونية، إذن كلما كانت وتوسعت الصهيونية كلما خدمت أكثر المصالح الغربية.
فالكيان الصهيوني لا يملك إمكانية الحياد بين الطرفين، فلا بد من الانحياز إلى أحدهم إما سراً أو علانية، إذ أن المنطقة الرمادية بين القوتين المتصارعتين تضيق بشكل كبير، طالما الحرب قائمة في أوكرانيا، وشكل العالم لم تحسم سيادته لقب أو قطبين أو أكثر.
فروسيا الأن لا تقبل ازدواجية المواقف والتردد في الانحياز بين المحور الشرقي الذي تمثله والمحور الغربي الذي تمثله أمريكا، من خلال إعلان الحياد للكيان الصهيوني، أما أدواته ولوبياته الصهيونية العالمية مع المحور الغربي.
وبما أن الرئيس بوتن ابن جهاز المخابرات سابقاً، فهو يعلم في الواقع أن كل المشاريع والمؤامرات للتحالف الغربي يجب أن تمر عبر اللوبيات الصهيونية في روسيا والمتمثلة في الوكالة اليهودية، خاصة بعد فرض العقوبات والمقاطعة الغربية شبه الكاملة لروسيا، واستنفاذ أمريكا لمعظم وسائلها في محاولتها للتأثير على روسيا، لذلك يعتقد بوتن أنه ممكن استخدام الوكالة اليهودية لتحقيق مصالح أمريكا وليس مصالح الكيان الصهيوني، وتستدل المخابرات الروسية على ذلك من خلال أن التسريب الأول ليوم ووقت تنفيذ العملية الحالية في أوكرانيا كان من خلال الوكالة اليهودية، وأيضاً تسريب معلومات مرض بوتن القاتل من عمل الوكالة اليهودية، وكذلك محاولات الاغتيال التي تعرض لها أيضاً من عمل الوكالة اليهودية وفق وكالة روسيا اليوم.
ممكن أن نستخلص مما سبق مجموعة من الاستنتاجات نذكر منها ما يلي:
أولاً: الجانب الاتحاد الروسي
1. نستنتج من ذلك أن روسيا الاتحادية ماضية في مخططاتها وهي تغير الموازين الدولية ومنع تفرد أمريكا بالعالم.
2. نستنتج أن قرار بوتن في تقييد أو القضاء على الصهيونية يعتبر استراتيجياً تجاه النظام العالمي الجديد الذي يسعى إلى تغييره والذي يريد ألا يكون فيه الصهيوني على رأس التغيير أو التخطيط الجديد للعالم.
3. نستنتج أن ذلك المنع سوف ينعكس على كل حلفاء روسيا الاتحادية مثل الصين ومحور آسيا الوسطى، التي لا تجد فيها من يرغب بعلاقة مع إسرائيل بسبب الوكالة التي تضع المصالح السياسية الغربية الأمريكية على سلم أولوياتها.
ثانياً: جانب الكيان الصهيوني
1. يتخوف الكيان الصهيوني أن تنتقل أزمة الوكالة اليهودية إلى غيرها من المنظمات اليهودية التي تنشط في روسيا.
2. يتخوف الكيان الصهيوني من أن يؤثر إغلاق مكتب الوكالة اليهودية على سمعتها المحصنة التي لا تقبل المساس داخل منظومة المجتمع الدولي، بل وجهوزية التهمة على الدول والمنظمات والأفراد بأنهم معادون للسامية في حال الاقتراب منهم ومن أعمالهم وأدواتهم.
3. يتخوف الكيان الصهيوني من فتح شهية الدول الأخرى، التي تعاني من تدخلات وتأثير الوكالة اليهودية والمصالح الصهيونية بها على الجرأة لمحاولة وقفها أو تقييد عملها وتأثيرها، وبالتالي يخسر الكيان الصهيوني أهم وسائله ولوبياته الضاغطة داخل منظومة المجتمع الدولي.
4. يتخوف الكيان الصهيوني من التأثير على عمليات الهجرة بشقيها "الأعداد والعقول" التي تقوم بها الوكالة اليهودية، داخل الدول التي تنشط بها.