فلسطين أون لاين

هدم الاحتلال منزلًا وفجّر آخرَ غرب سلفيت

تقرير عائلتا "عاصي ومرعي" تحاولان انتزاع ذكرياتهما من بين حطام منزلَيهما المدمرين

...
صورة أرشيفية
رام الله-غزة/ يحيى اليعقوبي:

أعلام فلسطين ترفرف فوق حطام منزلهم المدمر، تعلنُ انتصار الإرادة التي بقيت شامخةً ولم يحطمها الاحتلال، أطفال عائلة عاصي يجلسون على حجارة منزلهم بعدما قامت جرافة إسرائيلية "باقر" بإكمال مهمة الهدم، يبكون ذكرياتٍ تحت الأنقاض، كتبهم المدرسية، ألعابهم، ملابسهم، نوافذ المنزل التي كانوا يشاهدون منها جمال بلدتهم، يتأملون الجدران التي كانوا يعلقون عليها لوحاتهم كلها اختفت وتناثرتْ واحتفظوا فيها بأدراج الذاكرة، في حين فرد والدهم سجادة الصلاة ورفع يديه للسماء يشكو "قلة حيلته".

نالت الجرافات من حجارة منزل الأسير يوسف عاصي في بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت بالضفة الغربية، لكن لم تنل من عزيمة والده.

 فرغم قساوة ما مرّ به إلا أنه لا يزال صابرًا: "نحن صامدون على الأرض، هدمَ الاحتلالُ حجارةً وترابًا ولم يهدم عزيمتنا وإرادتنا، هذه الحجارة ستعوض وسنبني بيتًا ثانيًا، المهم أنّ أولادي بخير، سواءً ولداي الأسيرَين يوسف (21 عامًا) الذي يتهمه الاحتلال بتنفيذ عملية "أرئيل" وشقيقه عمير (18 عامًا) وباقي أبنائي".

سلّم الاحتلال والد الأسير بلاغًا بهدم منزله قبل شهر لكنه كان ما يزال أسيرًا مع ابنَيه قبل الإفراج عنه لاحقًا، لكنه ظلَّ متمسكًا بالبقاء في منزله وعدم مغادرته مهما كان الثمن، وأعاد بعض الأغراض إليه، حتى جاءت القوات الإسرائيلية الساعة العاشرة مساءً أول أمس، بدون أي تنبيه بقدومهم.

يقول والد الأسير لصحيفة "فلسطين" عبر الهاتف: "أرادوا تفجير المنزل لكن لشدة تلاصقه ببيت أخي وبيوت أخرى، لم يستطيعوا ذلك، فأحضروا جرافة "باقر" وأمهلونا نصف ساعة لإخلاء الأمتعة، وطردونا بالقوة أنا وأبنائي من المكان".

على بعد مئتي مترٍ ظلّت عينا عاصي تراقبان بيت العمر يهدم أمام ناظرَيه، سالت دموع أطفاله في حين حافَظَ هو على تماسكه أمامهم أو بكى قهرًا من الداخل، يزاحم الغضب صوته مُعلّقًا على المشهد: "أطفالي عاشوا لحظات صعبة خلال الفترة الماضية، فقوات الاحتلال كانت تأتي باستمرار لأخذ قياسات للمنزل تمهيدًا لتفجيره، لحظة الهدم قلت لهم: إنّ هذه حجارة يمكن أن تعوض، وإن ما قدمناه فداء للوطن، والمهم أنهم بخير وهذا أهم شيءٍ بالنسبة لي". 

بعد أسرٍ استمر 58 يومًا في سجن "الجلمة"، وبعد مصادرة الاحتلال لسيارته بقرارٍ من المحكمة الإسرائيلية، وإصدار قرار بسحب كل تصاريح عائلة عاصي، يكمل الاحتلال قائمة العقوبات الجماعية بهدم المنزل: "هدفهم معاقبتنا جماعيًّا، والتسبُّب بمشاكل لي مع العائلة بسحب التصاريح، لكن ورغم مصادرة السيارة وهدم البيت واعتقال اثنين من أبنائي سنبقى شامخين".

في بيتٍ امتد على مساحة 120 مترًا ترك عاصي وأبناؤه الستة ذكريات كثيرة، والآن يستعدون لاستكمال حياتهم في شقة صغيرة في بيت عمهم، وهم مصرون على إعادة بنائه مرة أخرى.

هنا.. استطاع الطفل عز الدين شقيق الأسير يحيى مرعي، العثور على دراجته الهوائية وإخراجها من بين الحطام، كانت الناجي الوحيد من بين الدمار الكبير بعد تفجير الاحتلال لمنزله بنفس القرية (قراوة بني حسان)، لكن كان الدمار قد طال هيكلها بفعل تفجير قوات الاحتلال للمنزل أول أمس، أسفل منه تلمح باب البيت الذي تغيّر لونه بفعل الانفجار.

يقف والد الأسير أمام حجارة المنزل المتناثرة، يهتف مع الأهالي: "فداك يا أقصى.. فداكِ يا قدس، فداك يا يحيى، فداك يا يوسف"، و"النصر لنا والموت لكم"، بهذه الهتافات دوّت حناجرهم فوق ركام المنزل، ويؤكد أيضًا "أنّ الاحتلال لن يهدم العزيمة وسيبقى صامدًا رغم كل شيء".

 وقال: "أهم شيء أنّ أولادنا معنوياتهم عالية في السجون، وسيخرج يحيى رغم أنف الاحتلال منتصرًا من السجن، معتبرًا، العقاب الجماعي، سياسة فاشلة وهي "سياسة قديمة جديدة بهدم البيت ردعًا للفلسطينيين، لكن يجب أن يتعلم الاحتلال الدرس ويعلم أنها لن تردع الشعب الفلسطيني من المطالبة بحقوقه وكرامته وحريته".

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلت الشابين مرعي وعاصي في أواخر شهر نيسان الماضي، عقب تنفيذهما عملية بطولية ضد نقطة حماية لمستوطنة "أرئيل"، والتي أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي.

 وتبنّت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس العملية، وقالت إنها جاءت ردًّا على عدوان الاحتلال الهمجي والغاشم على المسجد الأقصى، وعلى المصلين في ساحاته.