تبدي أوساط أجهزة أمن الاحتلال شعورًا بالإنجاز عقب استشهاد المقاومين عبود صبح ومحمد العزيزي في اقتحام نابلس فجر الأحد، لكنها في الوقت ذاته لديها مخاوف جدية من أن ما تلاحقه بين حين وآخر من خلايا مسلحة قد لا يكون سوى قمة جبل الجليد الكامن في أزقة الضفة الغربية، وربما ليست مرتبطة بهرم عنقودي تنظيمي ينتظر تلقي الأوامر بالانطلاق لتنفيذ هجمات مسلحة.
صحيح أن جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام (الشاباك) يصلان الليل بالنهار لمحاولة إحباط كل جهد مقاوم في مهده، لكن التقديرات السائدة لديهما تتحدث أن هذه الجهود يقابلها عمل فلسطيني حثيث لاستهداف الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية: عسكريًّا واستيطانيًّا، لا سيما بإطلاق النار على سيارات المستوطنين ومركبات الجيش، وزراعة عبوات ناسفة في طرقها، والتخطيط لخطف الجنود وأسلحتهم.
يتضح من معطيات الحال في الضفة الغربية، الذي يمكن أن يطلق عليه "اتساع مؤشّر الخوف"؛ أن دوريات عسكرية مكثفة زادت من مهامها الميدانية غير الاعتيادية داخل الضفة الغربية من جانب، وكل الطرق والمعابر المؤدّية إلى المستوطنات والمواقع العسكرية، ومن جانب آخر المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة عام 48، للحيلولة دون عودة هجمات مارس وأبريل ومايو الأخيرة.
نموذج حيّ على ذلك يظهر من متابعة الجهود الإسرائيلية في المناطق المحيطة بالمستوطنات، حيث تلاحظ بالعين المجردة تلك التحرّكات، لا سيما عمليات إطلاق القنابل المضيئة ليلًا، وكثافة النيران العشوائية والإنارة الليلية، التي يتبيّن لاحقًا أنها مناورات وتدريبات على المواجهة والاستعداد لأي طارئ، وعلى طول نقاط التماس والمستوطنات تتكرّر الصورة أوسع، حتى تصل في كثير من الأحيان إلى اتخاذ الأمكنة مهاجع ومراكز للدوريات العسكرية، وهو ما ينطبق على معظم المستوطنات.
يشير واقع التجربة في الضفة الغربية إلى أن اقتحام نابلس الأخير لن يكون الأخير على صعيد السباق الذي يجريه الاحتلال مع الزمن لإجهاض أي محاولة فلسطينية للمقاومة، حتى لو تخلل ذلك الدخول إلى عمق المدن والمخيمات والبلدات الضيقة المزدحمة لاغتيال المقاومين، وما قد يتخلله ذلك من مخاطرة بوقوع مجزرة بحق الفلسطينيين، في جهد واضح لوضع حدّ لحالة الهوس الأمني والخوف والهلع الشديدين التي تحاصر أدق التفاصيل اليومية للمستوطنين في الضفة الغربية.
تشكّل هذه التفاصيل وحدها ضغطًا عالي الحساسية في مجمل الملف الأمني الإسرائيلي، والانعكاسات الناجمة عن إمكانية نجاح المقاومة باختراق كل هذه الاحتياطات، وما يعرف بـ"الضرب في المليان"، وهو وحده يدفع باتجاه إشعار المحتلين بفقدان الأمان في كلّ مكان، حتى "الكرفانات" الاستيطانية هنا وهناك.