الحلوى على حالها في غرفة الاستقبال تنتظر مهنئين لم يمكِّنهم الاحتلال الإسرائيلي من الاحتفاء بتحرر عبد الباسط معطان الذي أعيد اعتقاله دون اعتبار لظروفه الصحية بالغة الصعوبة، فترك وراءه أشقاء حزموا أمتعة الغربة في سبيل أنْ يتمكنوا من احتضانه والاطمئنان عليه.
ليلة الحادي والعشرين من يوليو/ تموز لم تكن اعتيادية في حياة أسرة الأسير معطان؛ إذ فوجئوا بقوات الاحتلال الإسرائيلي تفجر باب منزلهم وتقتحم غرفة نومهم، وتعتقل عبد الباسط دون أن تسمح له بتغيير ملابسه أو حتى أخذ أدويته.
تقول أسرته إن هذا الاعتقال كان الأصعب عليهم وعلى عبد الباسط من حيث طريقة الاقتحام الوحشية للمنزل، ولأن عبد الباسط (49 عاماً) كان ينتظر رداً على طلبٍ قدمه لـ"الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال" من أجل السماح له بالسفر لتلقي العلاج الإشعاعي في الخارج وكانوا قد وعدوه بأن يكون الرد إيجابياً.
فهو –وفقاً لما أخبرت به زوجته زبيدة معطان "فلسطين"- كان يحاول ترميم جزء من الضرر البالغ الذي ألحقه الإهمال الطبي في سجون الاحتلال بصحته المتدهورة أساساً، فمنذ أفرج عنه من الاعتقال الإداري في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان من العام الحالي وعبد الباسط يتنقل بين المستشفيات لإجراء الفحوصات ومتابعة العلاج من مرض السرطان لكن الاحتلال لم يمهله لإكمال تلك الإجراءات.
وتضيف الزوجة: "عبد الباسط مريض بالسرطان منذ عام 2018م وقد استقال من عمله مديرًا لمدرسة بسبب ظروفه الصحية، وتم استئصال جزء كبير من الأمعاء والقولون والغدد اللمفاوية لكون المرض في مرحلة متقدمة، وكان يخضع لعلاج مكثف في المستشفيات الفلسطينية في ظل رفض الاحتلال السماح له بالسفر للخارج أو حتى العلاج في القدس المحتلة لكونه محررًا تعرضّ لعدة اعتقالات داخل سجونه".
إهمال طبي
وتتابع الزوجة بأن الاحتلال لم يكتفِ بحرمانه من العلاج، بل فاجأ العائلة باعتقاله في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، قضى خلالها ستة أشهر في الاعتقال الإداري لم يخضع خلالها لأي فحص طبي ولم يُسمح له بتناول أدويته، "كانوا يعطونه فقط الأكامول الذي كان يرفض تناوله لأنه استهتار بأوجاعه الشديدة"، تضيف زوجته.
وتشير إلى أنه رغم أن المحامي والعائلة زودوا إدارة السجن بملفه الطبي إلا أنهم لم يأخذوا به، وأخبروهم بأنهم لا يعترفون بأي فحوصات لا يتم إجراؤها لديهم، "أقروا له عدة فحوصات دون أن يجروا أيًا منها، وقبل الإفراج عنه بيوم أرادوا إخضاعه لعملية منظار وهو مكبل بالقيود؛ وهو الأمر الذي رفضه جملة وتفصيلاً".
خرج معطان من السجن وهو مصاب بمضاعفات صحية كالتهيج في القولون والألم في الرئة، وسارع بإجراء فحوصات طبية في المشافي المحلية للاطمئنان على وضعه الصحي، فقرر الأطباء إجراء عملية منظار له في الخامس من سبتمبر، لكن الاحتلال لم يمهله وأعاد اعتقاله.
مواساة
اعتُقل معطان مجدداً وأشقاؤه وأبناء أشقائه المغتربين في الولايات المتحدة الأمريكية وصلوا أو كانوا على وصولٍ لرؤيته والاطمئنان عليه، حتى إن شقيقته "ريَّا" المصابة بالصرع دخلت في نوبات مرضية بسبب اقتراب موعد سفرها دون أن تتمكن من رؤيته.
الشعور بالألم انتاب أيضاً ابنة شقيقه "زينب" التي وصلت للضفة لرؤيته في ليلة اعتقاله، بينما شقيقه إبراهيم في الطريق لأرض الوطن حيث حجز خصيصاً ليطمئن على "عبد الباسط"، في حين أجلت العائلة مراسم الاحتفال بابنتيْ شقيقه الخريجات، وكذلك بفرح ابن شقيقه.
وتعقب زبيدة بالقول: "لقد أورثوا قلوبنا القهر بدل الفرح، عطلوا مناسباتنا السعيدة وحرموه من العلاج، فالاعتقال بالنسبة لمريض السرطان بمكانة القتل البطيء، خاصة أنهم يهملون الأسرى طبياً ولا يولونهم أي عناية".
وتضيف أن مريض السرطان لا يقوى على مواجهة المرض دون مساندة اجتماعية، "فما بالك بشخص معتقل يتعرض للتحقيق وحالته النفسية سيئة وقد يتعرض للتعذيب، بجانب ظروف السجن الصعبة التي لا تصلح لإنسان سليم في ظل سوء التهوية والغذاء؟ فكيف يمكن لشخص مريض بمرض خطر كالسرطان أن يحافظ على وضعه الصحي في السجن؟!".
ولا يكتفِ الاحتلال باعتقال الأسرى المرضى في ظروف صعبة، بل إنهم يعانون ظروفا جوية قاسية بسبب الحرارة والرطوبة العالية وانعدام التهوية، والتغذية السيئة والحرمان من العلاج والأدوية، "وهذه الظروف تترك الأسير في ظروف نفسية من الصعب تجاوزها".
اشتياق
وينتمي الأسير عبد الباسط إلى قرية برقة قضاء البيرة، وهو أب لأربعة أبناء، اعتقل عدة مرات لدى الاحتلال أغلبها إدارياً، بما يعادل تسعة سنوات ونصف وكان أول اعتقال له في عام 1993م.
ويعبر ابنه إبراهيم (11 عاماً) عن ألمه لعدم تمكنه من الاستمتاع برفقة والده بسبب الاعتقالات المتكررة، "لقد وعدنا بأن يصطحبنا في عدة نزهات لكن الاحتلال أعاد اعتقاله".
ويضيف: "اقتحموا المنزل بهمجية، فجروا باب المنزل وحبسوني أنا وأشقائي في غرفة، ورفعوا علينا السلاح، ثم اعتقلوا أبي، كانت أصعب مرة يقتحمون فيها منزلنا"، متابعاً: "بابا مريض وتعبان، انا خايف عليه كتتتير، وبدي دول العالم تتدخل عشان يطلعوه".