فلسطين أون لاين

تقرير "فضة زمان".. حُليّ مستوحاة من مقتنيات النساء قبل النكبة

...
غزة/ هدى الدلو:

من خاتم فضة لمع في يد لاجئة حافظت عليه بعد تهجير عائلتها زمن النكبة، رغم مرور أكثر من سبعين عامًا، وقد نُقش عليه اسم "الرملة" المدينة التي هجرت وعائلتها منها، وُلدت فكرة مشروع "فضة زمان" على يد مؤسسة "الرواة للدراسات والأبحاث"، التي تُعنى بتوثيق التاريخ الاجتماعي من منظور الإنسان البسيط العادي للحفاظ على الذاكرة الفلسطينية الحية.

ذاكرة حية

وتقول المؤسِّسة والمديرة العامة لمؤسسة "الرواة للدراسات والأبحاث" د. فيحاء قاسم عبد الهادي لصحيفة "فلسطين": "مشروع "فضة زمان" يأتي ضمن هدف المؤسسة في الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية حيّة؛ وقد بدأته في عام 2014، بعد عامين من ولادتها، في إطار مشروع طارئ، لتوثيق روايات بعض الفلسطينيين والفلسطينيات ممن هجِّروا عام 1948م".

ويهدف المشروع للمساهمة في إحياء التراث الفلسطيني، عبر جمع قطع فضية تراثية، مما كانت ترتديه النساء والفتيات الفلسطينيات، وإعادة إنتاج قطع فضية جديدة تستلهم التراث، ما يربط الفتيات الفلسطينيات بتاريخهن وتراثهن، ومن ضمنه الحلي التي كانت تلبسها الأمهات والجدات.

وتشير د. عبد الهادي إلى أن المشروع يساهم في جمع بعض الموارد للمؤسسة حتى تستمرّ برسالتها في الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية، عبر مشاريعها الأخرى: "مشروع التهجير"، ومشروع "نساء رائدات"، ومشروع "توثيق روايات جرحى العدوان على غزة عام 2014م".

وقد أضافت المؤسسة سؤالًا دالًّا إلى استمارة بحث لـ"مشروع التهجير 1948": (للنساء) ما الهدية التي تلقيتِها يوم زواجك؟، و(الرجال) ما الهدية التي قدّمتَها لزوجتك يوم زواجك؟، (ولكليهما) هل بقي لديك أي قطعة من هدايا الزفاف؟، وعبر إجاباتهم اتضح أن مصاغ النساء ساهم مساهمة فاعلة في بناء العائلات الفلسطينية بعد التهجير، ومثل جزءًا أساسيًّا من ذاكرة النساء الفلسطينيات.

وتوضح د. عبد الهادي أن تنفيذ مشروع "فضة زمان" اعتمد على صور فوتوغرافية عالية الجودة التقطتها باحثات مؤسسة الرواة (17 باحثة ميدانية) للقطع الفضية القديمة الموجودة لدى بعض النساء، إضافة إلى البحث عن الحلى الفلسطينية التراثية عبر كتب التراث الفلسطيني. 

مشروع جماعي

وتعد المؤسسة – وفق إفادة عبد الهادي- الراويات (اللاتي يقدمن الرواية الشفهية للباحثات) ، والنساء اللواتي يقتنين قطعًا من "فضة زمان" شريكات في المشروع، لأنه مشروع جماعي فلسطيني، مثال: حين قوبلت الراوية المهجّرة من الرملة، وإخبارها بمشروع فضة زمان، أحضرت خاتمًا فضيًا كتب عليه اسم: الرملة، أهدت إلينا الخاتم، واقترحت عليهم أن يصنعوا خاتمًا يماثله بأسماء مدن وقرى فلسطين كافة، حتى ترتبط النساء الفلسطينيات بمدنهن وقراهن، خاصة التي طهرت عرقيًا عام 1948.

وتتابع د. عبد الهادي حديثها: "وفعلًا قمنا بإنتاج الخاتم، وكنا وما زلنا نسعد جدًا حين تأتي صبية لتطلب خاتمًا يحمل اسم مدينتها أو قريتها المهجّرة؛ مما يساهم في إحياء الذاكرة والحفاظ عليها حيّة".

وتستند تصاميم "فضة زمان" إلى صور التقطتها باحثات "الرواة" لأي حلي امتلكته النساء الفلسطينيات قديمًا، أو لروايتهن عما اقتنينه من مصاغ أو حلي عند زواجهن مثل أساور "المباريم" أو أقراط معروفة باسم "كف فاطمة" أو قلادة "اللوزة"، وبناء على وصفهن تصمم حلي فضية مطابقة أو محدّثة أحيانًا.

وطبيعة النقوش وكثافتها ونوعها تختلف بين المدن والقرى وحتى المناطق البدوية، فأهالي المدن لديهن اهتمام بنوعية عالية من الفضة المنقوشة لأن أوضاعهم الاقتصادية كانت أفضل.

وأنشأت باحثة من باحثات الرواة موقعًا إلكترونيًّا للمشروع، وتنتج الفضة الفلسطينية أيدٍ مصرية ماهرة بتصميم وإشراف فلسطيني، تقوم به باحثات مؤسسة الرواة، كما أن المشروع يعيد إنتاج قطع فضية مماثلة، إضافة إلى إنتاج قطع فضية جديدة مستلهمة من التراث؛ بهدف الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية، في ربط خلاق بين الماضي والحاضر.

وتعنى مؤسسة الرواة للدراسات والأبحاث بتوثيق التاريخ الاجتماعي الفلسطيني، بجمع الروايات الشفوية، التي تحمل مخزونًا ثقافيًّا، وتركز على تسجيل تجارب النساء، ضمن رؤيتها لأهمية التركيز على روايات الفئات المجتمعية المهمشة، التي أقصيت عن كتابة روايتها التاريخية. 

وتعمل المؤسسة في فلسطين (شمال، جنوب، وسط، القدس، غزة، فلسطينيي 1948) والشتات (الأردن، ولبنان، ومصر، وتشيلي)، من طريق أربعة مشاريع: مشروع تهجير عام 1948، ومشروع نساء رائدات، ومشروع جرحى العدوان على غزة عام 2014، ومشروع فضة زمان. 

ويعمل على مشاريع المؤسسة مجموعة باحثات، من مناطق جغرافية متعددة، ولديهن خبرة في حقل التاريخ الشفوي، إضافة إلى خبرات ثقافية متعددة.

المصدر / فلسطين أون لاين