كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل، عندما اقتحمت قوة من جيش الاحتلال مدججة بالسلاح منزل عائلة أبو سمينة في شارع الوادي وسط البلدة القديمة بالقدس المحتلة، بعد دقائق من دخول الأب الذي كان يحمل في يديه كيسين اثنين من الفاكهة اشتراها من محل قريب.
هذان الكيسان كغيرهما من احتياجات الأسرة التي تدخل البيت يوميّاً اتخذهما الاحتلال ذريعة لاقتحام بيت العائلة، وتخريبه بشكل شبه يومي، بزعم "إخفاء سكاكين"، بعد أن رصدتهما كاميرات المراقبة المسلطة على يد صاحبهما، منذ أن دفع ثمن محتوياتهما للبائع مروراً بكل الأزقة التي في الطريق إلى بيته حتى وصل إليه.
ويؤكد محمود أبو سمينة أن هذه المعاناة اليومية لا تقتصر على عائلته، بل إن كل سكان البلدة القديمة يعيشون في قهر يومي، بسبب الاقتحامات المفاجئة لبيوتهم بحثاً عن المرابطين، الذين ترصدهم كاميرات المراقبة التي تغطي منطقة البلدة القديمة ومحيطها بشرقي القدس المحتلة.
وبدأ الاحتلال قبل أشهر عدة مشروع تركيب أكثر من ألفي آلة تصوير متطورة إضافية إلى الموجودة في البلدة القديمة، لتمتد إلى مدينة القدس كلها، في حين اعتمد كاميرات تسمى (عين الباز) أو (LPR)، القادرة على مسح أرقام السيارات وتقريب ملامح الوجوه.
وفضلًا عن هذه الكاميرات المنتشرة في القدس المحتلة نصبت قوات الاحتلال في 14 تموز (يوليو) الجاري بوابات إلكترونية وكاميرات مراقبة عند مداخل الأقصى، قبل أن تتم إزالتها بفعل الضغط الشعبي الفلسطيني.
والمهمة الأساسية لكاميرات المراقبة في البلدة القديمة، التي يتابعها مركز الالتقاط والتوثيق المسمى "عيون القدس"، التابع لما تسمى وزارة الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، في حي "جيلو" الاستيطاني جنوب المدينة المحتلة؛ تصوير كل شخص يدخل أو يخرج منها، بهدف تعقب الفدائيين الفلسطينيين، إضافة إلى رصد أرقام السيارات وعدد الأشخاص في كل منها وهوياتهم أيضاً.
عائلة صب اللبن التي تقطن في شارع السلسلة بالبلدة القديمة كذلك ذاقت صنوفاً من المعاناة المشابهة، بسبب كاميرات المراقبة المنتشرة في منطقة سكناها ومحالها التجارية، فإضافة إلى تفتيش بضائعهم عند كل حواجز الاحتلال المنصوبة بين الشوارع؛ إنها تخضع لتفتيش آخر _هو الأسوأ_ لدى وصولها إلى بوابات محالها التجارية بسبب رصد كاميرات المراقبة لها.
يقول أحد أفراد العائلة الذي طلب عدم ذكر اسمه: "تلك الكاميرات تسببت بالكثير من المشكلات لضيوف المنطقة من الغرباء، ولكل من يحمل صناديق أو أكياساً سوداء، أو لمن يركب سيارات ليست لأهل المنطقة".
أسلوب قديم جديد
بدوره يقول مدير مركز المخطوطات والتراث الإسلامي بالمسجد الأقصى رضوان عمرو: إن كاميرات الاحتلال الإسرائيلي التي تمثل عيونًا له في المدينة المقدسة أسلوب قديم جديد استخدمها الاحتلال لأهداف تجسسية"، مشيرًا إلى أن عام 1997م شهد تعليق أول كاميرا علنية عند المحكمة الشرعية في الرواق الغربي للمسجد الأقصى.
ويبين عمرو لصحيفة "فلسطين" أنه أنشئ مركز متخصص للإشراف على الكاميرات، ويوجد داخله 200 شاشة تتعامل مع 2000 كاميرا موزعة في كل زقاق وتقاطع وشارع بالبلدة القديمة، وأنه في مدينة القدس عمومًا يوجد منظومة متكاملة من كاميرات المراقبة ذات القدرات التجسسية العالية.
ويتابع: "الكثير منها لا يعرف مدى قدراتها نظرًا لتطورها وحداثتها، وهناك كاميرات بالإمكان التحكم بها عن بعد وتحريكها بزاوية 360 درجة، مع إمكانية تكبير أي مشهد (زوم) بوضوح تام"، لافتًا إلى أنه في مطلع العام الجاري 2017م وضعت شرطة الاحتلال كاميرات مراقبة فوق أسوار مدينة القدس.
ويختم عمرو: "إن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الكاميرات لملاحقة المقدسيين، الذين يقاومون انتهاكاته وجرائمه بالرباط داخل الأقصى، والمشاركة في المسيرات الجماهيرية، والتصدي لاقتحامات المستوطنين".