فلسطين أون لاين

تقرير العمل تحت الضغط.. يهدر الإمكانات أم يفجر الطاقات؟

...
غزة/ هدى الدلو:

لطالما وضعنا أنفسنا تحت ضغط، خاصة في ليلة الامتحان لأجل إتمام دراسة المنهاج، غاضّين الطرف عن الدراسة والمراجعة أولًا بأول استعدادًا لهذا اليوم، وآخرون يحتاجون لمن يقف فوق رؤوسهم لإتمام مهامهم؛ فهل العمل تحت الضغط ميزة أم عائق؟

الشاب سعيد شعيب يجد في نفسه الرغبة بالعمل تحت الضغط، ويعدُّها ميزة إذ يتمكن من استثمار الوقت في إنجاز المهام المطلوبة منه بدلًا من إضاعته في أمور جانبية لا فائدة منها.

ويُوضّح أنّ العمل تحت الضغط على مميزاته مرهق ذهنيًّا ونفسيًّا وجسديًّا، ولا يستطيع أي شخص تحمُّله.

وعمل شعيب الإلكتروني والمتابعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحتاجان منه إلى تركيز عالٍ، ويرى في ذلك ميزة للتمكن من المواصلة بدلًا من أن يكون عائقًا يقف في طريقه، خاصة أنه يعيش في بلد تكثر فيه الأحداث والتطورات.

في حين تعتقد الشابة أسماء أبو شاويش التي تعمل في مجال تصميم الأزياء أنّ العمل تحت الضغط ميزة وعائق في الوقت ذاته، فمن وجهة نظرها يحتاج إلى مهارات شخصية وقدرة على الإنجاز.

وترى أنه يجب على الجميع أن يمتلك هذه المهارة، فالحياة تحتاج إلى ذلك، والأيام تتراوح بين الشدة والتراخي، ولكنّ عملها بعيدًا عن الضغط تجد فيه دقة وإتقانًا أكثر، مع أنه يدفعها للإنجاز لمجرد ذلك.

بدورها تُبيّن بيان حمامدة أنّ طبيعة العمل هي التي تُحدّد هل العمل تحت الضغط ميزة أم عائق، قائلة: "فمثلًا لو كنت أعمل عملًا أحبه وأشعر فيه بالمتعة فلن يؤثر فيّ العمل تحت الضغط سلبًا، ولكن في حال كان مُنفّرًا لي ومُجبرة عليه الضغط سيكون سيئًا لا ميزة".

عوامل مختلفة

في تقرير للكاتبة الإسبانية إلينا سانز نشرته في مجلة "لا منتي إس مارافيوسا" تقول فيه: "إنّ بعض الأشخاص يميلون إلى تأجيل إنجاز الأعمال والمشاريع حتى الموعد النهائي تقريبًا، ربما يشعر هؤلاء أنّ هذا التوتر الإضافي هو ما يُحفّزهم ويجعلهم أكثر فاعلية من حيث الأداء"، متسائلة: "لكن ما مدى صحة ذلك؟".

وتضيف: "إنّ الإجابة ليست بسيطة لأنها تعتمد على عوامل مختلفة، فمنذ مرحلة الطفولة كان المربون يشجعون على استغراق الوقت الكافي، والتزام الهدوء عند القيام بالمشاريع لتحقيق الأهداف، ومع ذلك وجد الكثير من الناس أنه دون هذا التحفيز الإضافي لن يتمكنوا من التركيز وإكمال مهامهم".

وتشير في تقريرها إلى أنّ التنشيط مفيد إلى حد ما، ولهذا السبب يشعر الكثير من الناس بالراحة عند العمل تحت الضغط، فأول شيء يجب أن تعرفه هو أنه من المحتمل أنك تؤدي أداء أفضل عندما تواجه ضغطًا معينًا، ويمكن أن يحدث هذا بسبب ضيق الوقت أو بسبب إشراف الرئيس أو بسبب مقدار المخاطرة في هذا النشاط أو المشروع، حسبما ذكرت الكاتبة.

حقيقة متناقضة

وتُبيّن سانز أنّ هذه حقيقة معروفة ومتناقضة في مجال علم النفس، وانعكست بدقة في قانون يركيس-دودسون الشهير، حيث طور هذان المؤلفان نظريتهما في بداية القرن الـ20، وذكرا أنّ العلاقة بين القلق والأداء تأخذ شكل حرف "يو" (U) معكوسًا، أي أنّ وجود درجة معينة من التنشيط (جسديًّا أو عقليًّا) سيكون مفيدًا، ولكن إذا كانت مفرطة تصبح النتائج عكسية.

ومن جهته يتحدث مدرب التنمية البشرية م. محمد اللقطة أنّ ضغط العمل الشديد يرفع هرمون الكرتيزول في الجسم، وهذا يستنزف طاقة الجسم، وبالنهاية يسبب أمراضًا مزمنة، منها السكر والضغط ... إلخ.

ويلفت النظر إلى أنّ بعض أصحاب العمل يلجأُ بالمقام الأول بعض الموظفين إلى العمل تحت الضغط لزيادة الإنتاجية، خاصة في أوقات الذروة أو الطوارئ، وذلك من وجهة نظر المشغل أو صاحب العمل ميزة لكونه يحصل على نتائج كبيرة بإمكانات قليلة في وقت قياسي.

ويُنبّه اللقطة إلى أنّ بعض أصحاب العمل يستغل ذلك طمعًا بالموظف؛ فيجعل كل حياته في دائرة من العمل المضغوط والعمل تحت الضغط النفسي والمالي والمهني.

ويضيف: "فمن وجهة نظر الموظف أو العامل في بعض الأحيان إذا كان انتماؤه مرتفعًا والفائدة عالية؛ فإنها جزء من المشاركة ورد المعروف ودليل واضح على الانتماء، وفي أكثر الأحيان إذا أصر صاحب العمل على استخدام هذا الأسلوب دومًا دون فائدة تعود على الموظف العامل كمكافأة تعبه الجسدي والنفسي؛ يصبح كابوسًا فيسبب عدم المبالاة والافتقار للدقة والإرهاق والجمود".

إدارة العواطف

وتُشدّد سانز في مقالها على أنّ معرفة كيفية التصرف تحت الضغط شيء، والحاجة إلى الضغط من أجل التصرف شيء آخر، فإذا انتظرت طواعية حتى اللحظة الأخيرة لمعالجة مهامك المعلقة، وإذا قمت بذلك لأنك بحاجة إلى هذا الضغط لتحفيزك؛ فأنت ترتكب خطأ.

وفي هذه الحالة من المرجح أن تقوم بعمل متواضع أو أقل بكثير مما كان يمكن أن تفعله في ظروف أخرى، فلا يجعلك الضغط تعمل "للفوز"، ولكن ببساطة كي "لا تخسر"، لأنه في هذه الحالة لم يعد بإمكانك الاهتمام بالتفاصيل أو مراجعة الأفكار الجديدة أو إضافتها، بل عليك الاكتفاء بمجرد الامتثال.

وتشير سانز إلى أنه لهذا السبب إذا كنت شخصًا تميل إلى المماطلة ولا تستطيع تحفيز نفسك دون هذا الضغط الإضافي؛ فقد تحتاج إلى مراجعة مخاوفك وإدارة عواطفك، فبالقيام بذلك ستكون أقرب إلى أن تكون قادرًا حقًّا على الاستفادة من إمكاناتك.