بايدن يزعم من جدة، من المملكة السعودية أن لديه رؤية واضحة بشأن ما ينبغي القيام به في الشرق الأوسط. إذا كانت رؤية بايدن والبيت الأبيض بصفته رئيس دولة عظمى أولى في العالم واضحة فما هي أهم معالمها ومرتكزاتها؟!
الإجابة تحتاج لمقاربة بحثية مطولة، ولكن بحسب بايدن يمكن الاستغناء عن البحث، ومقاربة المرتكزات والمعالم التي ذكرها هو في تصريحه، وهي في نقاط تقوم على:
١- إيران تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط!
٢- نعرب عن عزمنا على القضاء على مصادر الإرهاب!
٣- نريد أن ندعم شركاءنا بتعزيز التحالف لحل جميع المشكلات!
٤- زيادة إنتاج الطاقة في الأشهر القادمة!
قبل البحث في هذه المرتكزات المحددة نقول للبيت الأبيض إن دول الشرق الأوسط وفلسطين خاصة لا تبحث عن الوضوح، وإنما تبحث عن العدل قبل الوضوح، لأنه إذا غاب العدل فلا قيمة للوضوح، فالاحتلال الإسرائيلي واضح للأعمى وللبصير، فماذا أفاد العدل والاستقرار من هذا الوضوح؟ لقد كان أبو جهل واضح الكفر، فماذا أفاد وضوحه قومه؟!
ثم إن هذه المعالم أو المرتكزات فضفاضة ولا يمكن مسكها باليد، غير البند الرابع منها، الذي تضمن قرارا بزيادة إنتاج النفط السعودي لتخفيف الأزمة العالمية ومواجهة ارتفاع الأسعار المذهل، بعيد الحرب في أوكرانيا، في فترة يُقبل فيها البيت الأبيض على الانتخابات. ومع ذلك فجلّ الخبراء يقولون إن نسبة الزيادة المتوقعة لا تعوض أوروبا عن النفط الروسي، وإن الزيادة قد تهدئ فقط الأسعار التي تقفز لأعلى باستمرار لفترة قصيرة.
هذه الجزء من الرؤية التي يزعم بايدن أنها واضحة، تقابلها أجزاء غير ملموسة باليد، أي مبهمة إبهاما مقصودا، فإيران بزعمه تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط! حسنا، فما هي أوجه زعزعتها له؟ هل هو السعي لسلاح نووي؟! إن كان الأمر كذلك (فإسرائيل) لديها ترسانة نووية متطورة، والوضوح والعدل يقتضي أن تتهم (إسرائيل) بزعزعة الاستقرار في المنطقة!
وإذا قصد أن إيران تحتل الجزر العربية، وتتدخل في اليمن نقول: حسنا، ولكن نقول أيضا إن (إسرائيل) تحتل الأراضي الفلسطينية، وتحاصر غزة، وتهدد من حولها من الدول، وتمد بالسلاح جماعات مارقة على الدولة في أكثر من مكان في الشرق الأوسط، وبهذا فهي جديرة بأن تتهم بأنها مصدر لزعزعة الاستقرار!
أما رؤية أميركا للإرهاب في المرتكز الثاني فهي رؤية خاصة بها، وهي رؤية عنصرية، وتكيل بمكاييل متعددة، فالمقاومة الفلسطينية إرهاب، واحتلال (إسرائيل) وعدوانها على غزة ليس إرهابا؟! والمقاومة في أوكرانيا بطولة وذات مشروعية وتستحق دعم أميركا؟! فأين العدالة إذا كان الأمر واضحا؟!
أميركا بايدن التي تزعم الوضوح في الرؤية عملت أشهرا على تحويل المملكة لدولة منبوذة، ولكنها عند حاجتها لنفط المملكة زارت جدة، وقبلت يد رجلها القوي، وقدمت مفهوما للوضوح مساويا للمصالح الأميركية. ما يحقق مصالح أميركا هو الرؤية الحاكمة للشرق الأوسط، بغض النظر عن الوضوح والغموض، ومصالح أميركا في الشرق الأوسط ليست عادلة البتة، وتقوم على القوة والتهديد!