قبل عشرين عامًا قلنا إن "المبادرة العربية للسلام" التي أطلقها العرب في قمة بيروت 2002 هي المسمار الأخير الذي يدق في نعش القضية الفلسطينية، مع ذلك تعاملت معها منظمة التحرير بكل سذاجة، واعتقدت أنها أحدثت اختراقًا غير مسبوق لمصلحة القضية الفلسطينية، ووعدت بجر باقي الدول الإسلامية والعربية إلى مربع التطبيع مع دولة الاحتلال (إسرائيل).
مخاوف رئيس السلطة محمود عباس المتأخرة تحققت، إذ إن المبادرة تنص على التطبيع الكامل مع الاحتلال بعد انسحابه الكامل من المناطق المحتلة عام 67، ولكن ما كان يخشاه رئيس السلطة يحدث الآن، وهو تطبيق الاتفاقية من الياء إلى الألف بدلًا من تطبيقها من الألف إلى الياء، أي معكوسة: تطبيع كامل مع الاحتلال ثم إقامة دولة فلسطينية، وهي التي أصبحت مجرد سراب وأحلام يقظة.
عندما سألوا الرئيس الأمريكي جو بايدن عن "حل الدولتين" أكد أنه ما زال ملتزمًا به، ولكن الوقت "لا يسمح" بذلك، أي أن حل الدولتين أو ترويجه لم يعودا أولوية لدى الإدارة الأمريكية، وفي الحقيقة إن حل الدولتين نبذه الإسرائيليون والعرب وما تبقى من الرباعية الدولية خلف ظهورهم، حتى لم يعد له نصيب في المجاملات السياسية.
السؤال الذي يفرض نفسه بعد زيارة بايدن: ما المطلوب من منظمة التحرير والسلطة وأنصار أوسلو؟ هل سيستمرون في الجري خلف السراب عشرين عامًا قادمة؟ وهل سيظل الشعب الفلسطيني رهينة لأوهام وأحلام طويلة الأمد؟
الشعب الفلسطيني لم يعلق آماله يومًا على أوهام أوسلو، وإن خدعت أقلية بتلك الاتفاقية البائسة، وفشل اتفاقية أوسلو وعدم إقامة دويلة على أساسها لمصلحة الشعب الفلسطيني، ولو أقيمت دويلة فلسطينية لطال عمر الكيان الغاصب لفلسطين، وما يبعث الأمل في النفوس هو وجود تطور عظيم في المقاومة الفلسطينية بموازاة الفشل السياسي الكبير لمنظمة التحرير ومشروعها "الوطني" القائم على التنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولذلك لا نشك -ولو لحظة- أن القادم أفضل للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والأمة العربية.
لم أدخل في تفاصيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وذلك لأنها لا تستحق التعليق، ولأنها تجاهلت باستفزاز أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، والرئيس الأمريكي الذي ظهر كأنه متحدث باسم العدو الإسرائيلي لن يستطيع تغيير ما عجز عنه المحتل الإسرائيلي نفسه، ولذلك لا يساورنا أي قلق من زيارته ومن تحالفاته ومن وعوده الوهمية للمحتل الإسرائيلي، وكذلك وعوده التافهة للفلسطينيين.