لم يبقَ رئيس أو ملك أو أمير عربي إلا وتحدث عن القضية الفلسطينية في مؤتمر جدة، وكلهم طالبوا بالحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية، وجميعهم رمى عن قوس واحدة، بأن الأساس للاستقرار والسلام في المنطقة يعتمد على حل القضية الفلسطينية.
كلام جميل ومعسول؛ نطق به كل ملك ورئيس عربي، وقف خطيبًا في مؤتمر جدة، ولا شك أن هذه الخطابات تعكس الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وتعبر عن وجدان الأمة التي تنبض عشقًا لفلسطين، فجاءت فلسطين على لسان كل المتكلمين، في محاولة منهم لنفي التهمة عن مشاركتهم في حلف برعاية (إسرائيل)، وللتأكيد أن القضية الفلسطينية في صلب اهتمامهم.
حديث الملوك والرؤساء العرب عن حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية ليس جديدًا، ولا هو حديث مناسبة فقط، فمنذ النكبة، قبل 74 سنة، والملوك والرؤساء العرب يتحدثون عن تحرير فلسطين، كل فلسطين، ثم صاروا يتحدثون عن طرد المحتلين من الأراضي التي احتلها الإسرائيليون، ثم صاروا يتحدثون عن الحل العادل والدائم لمأساة الفلسطينيين، 74 سنة من الخطابات الرنانة عن تحرير فلسطين، ولم يتحرر شبرٌ، 74 سنة وهم يتحدثون عن الشعب المظلوم، ولم يرفع عنه الظلم، 74 سنة، وهم يتحدثون عن محاربة الاحتلال، فازداد الاحتلال أمنًا واطمئنانًا، 74 سنة وهم يتحدثون عن استرداد الأرض، فضاع ما تبقى منها، 74 سنة وهم يهاجمون الاستيطان، فازداد التوسع الاستيطاني، ويتم تهويد المقدسات.
فهل يدرك قادة العرب أنهم يبيعون جملًا إنشائية، لا رصيد لها على أرض الواقع، أم أن الاتجار بالقضية الفلسطينية صار هو الطبع السائد، وفي بيع الكلام فليتسابق المتسابقون؟
القادة العرب يدركون ذلك، وفي الوقت نفسه تدرك الجماهير العربية بغريزتها، أن فلسطين تنتظر الفعل المقاوم، لا الكلام المتناغم، فمن يدعم المقاومة الفلسطينية، هو الذي يسير على طريق تحرير فلسطين، وعن طريق المقاومة، نصل إلى الحل العادل والدائم لقضية فلسطين، وما دون ذلك، فكل تلك الخطب الرنانة، والجمل الطنانة، لن تحرر شبرًا من أرض فلسطين، وكل الدعوات إلى مؤتمرات، واجتماعات، ومفاوضات ولقاءات، لن تفرج عن أسير فلسطيني، ولن توقف اعتداء مستوطن صهيوني.
ويعرف قادة العرب قبل غيرهم، أن موافقتهم على مبادرة الأمير فهد، لم تجلب السلام، ولم تنهِ الاحتلال، ويعرف قادة العرب أن موافقتهم على المبادرة العربية في بيروت سنة 2002، لم توقف العدوان، ولم تحرر الإنسان، وقد رفضتها (إسرائيل) عن قوة واستقدار، ويعرف قادة العرب أنهم دعموا اتفاقية أوسلو، فإذا بالقضية الفلسطينية خارج معادلة الصراع، ويعرف قادة العرب أنهم يلهثون خلف التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وأنهم لن يقطفوا ثمرة واحدة، تتعلق بحل القضية الفلسطينية حلًا جزئيًا ومؤقتًا.
بقى أن تعرف جماهير الأمة العربية والإسلامية أن كل هذه الخطابات والقبضات الكلامية المشدودة، لا تحرك ساكنًا في (إسرائيل)، ولا تهز شعرة من جسد نسائها، ولا تزحزح جنديًّا إسرائيليًّا من موقعه، ولا تثير رعبًا على المستقبل في أوساط الإسرائيليين، فقد ألفوا هذه اللغة الكلامية، وعرفوا من أين تؤكل الكتف العربية.
ملحوظة: إعلان أورشليم القدس الذي وقع بين (إسرائيل) وأمريكا، جاء على ذكر حزب الله مرة واحدة
بينما جاء على ذكر إيران مرتين
ولكنه جاء على ذكر حماس ثلاث مرات.
ولم يذكر شيء اسمه منظمة التحرير الفلسطينية!
وهذا يؤكد حجم الخوف والقلق الإسرائيلي من المقاومة الفلسطينية.