لم يكن حُب القدس وزرع الثقة في قلب أهلها شيئاً سهلاً بالنسبة للكاتب والمفكر ناصر الهدمي، والذي كانت كل محاولاته لتعزيز صمود المقدسيين ناجحة وهذا ما جعل الاحتلال يلتف حوله ويحاول إبعاده أكثر من مرة عن المسجد الأقصى المبارك.
كانت المرة الأخيرة التي رأى فيها الهدمي المسجد الأقصى الجمعة الأخيرة من شهر يوليو، شارك في صلاة الظهر والاعتصامات القائمة، وبعد عودته لمنزله فوجئ باقتحام قوات الاحتلال لبيته الساعة الخامسة فجراً لتقوده إلى جهة غير معروفة.
قرار الإبعاد
ثلاثة أيام والهدمي في مكان غير معروف ولم تتمكن زوجته من معرفة أي أخبار عنه من المحامي الخاص به، وفي اليوم الرابع تقرر الإفراج عنه مقابل عدة شروط، أولها الإبعاد عن المسجد الأقصى مدة 10 أيام، وإغلاق كافة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي وعدم المشاركة في أي نشاط أو اعتصام وعدم الحديث عبر وسائل الإعلام عن أية مواضيع مختصة في القدس إضافة إلى كفالة قدرها 5 آلاف شيكل.
زوجة الهدمي التي فوجئت بالقرار لم تكن تعلم ما الذي تفعله وهي وحدها في منزلها بوادي الجوز بالقرب من البلدة القديمة ومعها 4 أطفال أصغرهم عمرها شهران.
تقول زوجته هنادي طوطح: "لدي ابنة عمرها 5 سنوات وأخرى 4 سنوات وابن أكبر في سن المراهقة عمره 15 عاما هؤلاء جميعاً بحاجة لرعاية خاصة ولم يعتادوا على غياب والدهم وهم مرتبطون به بشكل كبير".
مرارة البعد
وأضافت: "استيقظت ابنتي الكبرى الساعة السابعة صباحاً تسألني أين والدي بحثت عنه على سريره فلم أجده، فأجابتها أختها الأصغر جاء الجيش في الليل وأخذوا والدي، فصارت تبكي بشدة وتقول أنا أكره الجيش الإسرائيلي".
وتتابع قولها: "منذ 4 أيام وأنا أضطر للذهاب إلى رام الله في المكان الذي يعيش فيه زوجي أنا وأبنائي كي نراه كل يوم أعاني من الحواجز والتفتيش، أتحمل مسئولة كبيرة وهي عبء صعب جداً، رغم أن ناصر سجن أكثر من مرة لكن هذه المرة الأصعب التي أمر بها".
وأكملت قولها: "الحمد لله نحن مؤمنون بقدر الله ونعرف أن ما نواجهه هو ابتلاء ومهما فعلنا فلن نعطي المسجد الأقصى حقه، غيرنا أوضاعهم أصعب ولا يستطيعون العودة إلى منازلهم".
وقالت:" ما يشعرني بالقهر هو حالة زوجي النفسية وهو حزين لأن هذه الجمعة تمضي دون أن يصلي في المسجد الأقصى ودون الحديث في خطبة الجمعة، أحاول القيام بمهام زوجي إلى حين عودته للمنزل".
فرحة الانتصار
وأضافت:" حاولت أثناء اعتقال زوجي أن لا تستيقظ بناتي فهم لا يعرفون ما هو الإبعاد ولا السجن وهم لا يعرفون السبب وراء اقتحام الجيش للمنزل وأخذ والدهم، دائماً أحرص على أن لا يروا هذه الصورة، ورغم كل هذا إلا أنهم في كل يوم يسألون عنه متى سيعود؟، يدعون على الجيش الاسرائيلي ويتمنون له الموت لأنه حرمهم من رؤية والدهم كل صباح".
ومضت طوطح بالقول:" منزلنا قريب جداً من المسجد الأقصى دائماً نسمع الأحداث وصوت إطلاق النار ودائماً يسألني أطفالي عنها، حتى أن ابني البالغ من العمر 15 عاما يريد دائماً النزول للأقصى ولو منعته يرفض ويقول كل الشباب مرابطون بالخارج لماذا لا أكون معهم فلا أستطيع منعه؟".
وتابعت: "صعب أن أقول لابني لا تنزل للجلوس مع المعتصمين وكل الحارة تجلس هناك الجميع مترابط حتى النساء ولولا وجد طفلتي البالغة من العمر شهرين لكنت شاركتهم الأجواء، شعور مؤلم أن يعيش زوجي بجانب المسجد الأقصى ولا يستطيع المشاركة بالصلوات بعد منعه، في أي قانون هذا؟".
الهدمي لا زال محتجزا حتى الآن في رام الله بعيداً عن منزله وعائلته في القدس وهو لا يمارس أي عمل أو نشاط يستطيع أن يعيش منه هو وصغاره، ولازال قلبه معلقا بعد فرحة الانتصار بالقدس التي احتفلت شوارعها وأهلها هذه المرة دون وجوده.